المراد به من لا يحتاج إلى الوضوء فظاهر على ما قررناه و أن كان من يحتاج إليه فالمعنى انحلت بكل عقدة أو انحلت عقده كلها بانحلال الأخيرة التي بها يتم انحلال العقد و في رواية أحمد المذكورة قبل فإن قام فذكر الله انحلت واحدة فإن قام فتوضأ أطلقت الثانية فإن صلى أطلقت الثالثة و هذا محمول على الغالب و هو من ينام مضطجعا فيحتاج إلى تجديد الطهارة عند استيقاظه فيكون لكل فعل عقده يحلها (قوله طيب النفس) أي لسروره بما وفقه الله له من الطاعة وبما وعده من الثواب و بما زال عنه من عقد الشيطان كذا قيل و الذي يظهر أن في صلاة الليل سرا في طيب النفس و أن لم يستحضر المصلي شيئا مما ذكر و كذا عكسه و إلى ذلك الإشارة بقوله تعالى إن ناشئة الليل هي أشد وطأ " و أقوم قيلا و قد استنبط بعضهم منه أن من فعل ذلك مرة ثم عاد إلى النوم لا يعود إليه الشيطان بالعقد المذكور ثانيا و استثنى بعضهم ممن يقوم و يذكر و يتوضأ و يصلي من لم ينهه ذلك عن الفحشاء بل يفعل ذلك من غير أن يقلع و الذي يظهر فيه التفصيل بين من يفعل ذلك مع الندم و التوبة و العزم على الاقلاع و بين المصر (قوله و إلا أصبح خبيث النفس) أي بتركه ما كان اعتاده أو أراده من فعل الخير كذا قيل و قد تقدم ما فيه و قوله كسلان غير مصروف للوصف و لزيادة الألف و النون و مقتضى قوله و إلا أصبح أنه أن لم يجمع الأمور الثلاثة دخل تحت من يصبح خبيثا كسلان و أن أتى ببعضها و هو كذلك لكن يختلف ذلك بالقوة والخفة فمن ذكر الله مثلا كان في ذلك أخف ممن لم يذكر أصلا و روينا في الجزء الثالث من الأول من حديث المخلص في حديث أبي سعيد الذي تقدمت الإشارة إليه فإن قام فصلى انحلت العقد كلهن و أن استيقظ و لم يتوضأ و لم يصل أصبحت العقد كلها كهيئتها و قال بن عبد البر هذا الذم يختص بمن لم يقم إلى صلاته وضيعها أما من كانت عادته القيام إلى الصلاة المكتوبة أو إلى النافلة بالليل فغلبته عينه فنام فقد ثبت أن الله يكتب له أجر صلاته و نومه عليه صدقة و قال أيضا زعم قوم أن هذا الحديث يعارض قوله صلى الله عليه و سلم لا يقولن أحدكم خبثت نفسي و ليس كذلك لأن النهي إنما ورد عن إضافة المرء ذلك إلى نفسه كراهة لتلك الكلمة و هذا الحديث وقع ذما لفعله و لكل من الحديثين وجه و قال الباجي ليس بين الحديثين اختلاف لأنه نهى عن إضافة ذلك إلى النفس لكون الخبث بمعنى فساد الدين و وصف بعض الأفعال بذلك تحذيرا منها و تنفيرا (قلت) تقرير الاشكال أنه صلى الله عليه و سلم نهى عن إضافة ذلك إلى النفس فكل ما نهى المؤمن أن يضيفه إلى نفسه نهى أن يضيفه إلى أخيه المؤمن و قد وصف صلى الله عليه و سلم هذا المرء بهذه الصفة فيلزم جواز وصفنا له بذلك لمحل التأسي و يحصل الانفصال فيما يظهر بان النهي محمول على ما إذا لم يكن هناك حامل على الوصف بذلك كالتنفير و التحذير * (تنبيهات) * الأول ذكر الليل في قوله عليك ليل ظاهره اختصاص ذلك بنوم الليل و هو كذلك لكن لا يبعد أن يجئ مثله في نوم النهار كالنوم حالة الابراد مثلا و لا سيما على تفسير البخاري من أن المراد بالحديث الصلاة المفروضة * ثانيها ادعى بن العربي أن البخاري أومأ هنا إلى وجوب صلاة الليل لقوله يعقد الشيطان و فيه نظر فقد صرح البخاري في خامس ترجمة من أبواب التهجد بخلافه حيث قال من غير إيجاب وأيضا فما تقدم تقريره من أنه حمل الصلاة هنا على المكتوبة يدفع ما قاله ابن العربي أيضا و لم أر النقل في القول بإيجابه الا عن بعض التابعين قال بن عبد البر
(٢٢)