الإغراء لم يكن فيه الا الأمر بملازمة طول الرقاد و حينئذ يكون قوله فارقد ضائعا و مقصود الشيطان بذلك تسويفه بالقيام و الالباس عليه و قد اختلف في هذه العقد فقيل هو على الحقيقة وأنه كما يعقد الساحر من يسحره و أكثر من يفعله النساء تأخذ إحداهن الخيط فتعقد منه عقدة و تتكلم عليه بالسحر فيتأثر المسحور عند ذلك و منه قوله تعالى و من شر النفاثات في العقد و على هذا فالمعقود شئ عند قافية الرأس لا قافية الرأس نفسها و هل العقد في شعر الرأس أو في غيره الأقرب الثاني إذ ليس لكل أحد شعر ويؤيده ما ورد في بعض طرقه أن على رأس كل ادمي حبلا ففي رواية ابن ماجة و محمد بن نصر من طريق أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا على قافية رأس أحدكم حبل فيه ثلاث عقد و لأحمد من طريق الحسن عن أبي هريرة بلفظ إذا نام أحدكم عقد على رأسه بجرير و لابن خزيمة و ابن حبان من حديث جابر مرفوعا مامن ذكر ولا أنثى الا على رأسه جرير معقود حين يرقد الحديث و في الثواب لآدم بن أبي إياس من مرسل الحسن نحوه و الجرير بفتح الجيم هو الحبل و فهم بعضهم من هذا أن العقد لازمة و يرده التصريح بأنها تنحل بالصلاة فيلزم إعادة عقدها فأبهم فاعله في حديث جابر و فسر في حديث غيره و قيل هو على المجاز كأنه شبه فعل الشيطان بالنائم بفعل الساحر بالمسحور فلما كان الساحر يمنع بعقده ذلك تصرف من يحاول عقده كان هذا مثله من الشيطان للنائم و قيل المراد به عقد القلب و تصميمه على الشئ كأنه يوسوس له بأنه بقي من الليل قطعة طويلة فيتأخر عن القيام و انحلال العقد كناية عن علمه بكذبه فيما وسوس به و قيل العقد كناية عن تثبيط الشيطان للنائم بالقول المذكور و منه عقدت فلانا عن امرأته أي منعته عنها أو عن تثقيله عليه النوم كأنه قد شد عليه شدادا و قال بعضهم المراد بالعقد الثلاث الأكل و الشرب و النوم لأن من أكثر الأكل و الشرب كثر نومه و استبعده المحب الطبري لأن الحديث يقتضي أن العقد تقع عند النوم فهي غيره قال القرطبي الحكمة في الاقتصار على الثلاث أن أغلب ما يكون انتباه الإنسان في السحر فإن اتفق له أن يرجع إلى النوم ثلاث مرات لم تنقض النومة الثالثة الا و قد ذهب الليل و قال البيضاوي التقييد بالثلاث أما للتأكيد أو لأنه يريد أن يقطعه عن ثلاثة أشياء الذكر و الوضوء و الصلاة فكأنه منع من كل واحدة منها بعقدة عقدها على رأسه وكان تخصيص القفا بذلك لكونه محل الوهم و مجال تصرفه و هو أطوع القوي للشيطان و أسرعها إجابة لدعوته و في كلام الشيخ الملوي أن العقد يقع على خزانة الإلهيات من الحافظة و هي الكنز المحصل من القوي و منها يتناول القلب ما يريد التذكر به (قوله انحل عقده) بلفظ الجمع بغير اختلاف في البخاري و وقع لبعض رواة الموطأ بالافراد ويؤيده رواية أحمد المشار إليها قبل فإن فيها فإن ذكر الله انحلت عقدة واحدة و أن قام فتوضأ أطلقت الثانية فإن صلى أطلقت الثالثة و كأنه محمول على الغالب و هو من ينام مضطجعا فيحتاج إلى الوضوء إذا انتبه فيكون لكل فعل عقدة يحلها و يؤيد الأول ما سيأتي في بدء الخلق من وجه آخر بلفظ عقده كلها و لمسلم من رواية ابن عيينة عن أبي الزناد انحلت العقد و ظاهره أن العقد تنحل كلها بالصلاة خاصة و هو كذلك في حق من لم يحتج إلى الطهارة كمن نام متمكنا مثلا ثم انتبه فصلى من قبل أن يذكر أو يتطهر فإن الصلاة تجزئه في حل العقد كلها لأنها تستلزم الطهارة وتتضمن الذكر و على هذا فيكون معنى قوله فإذا صلى انحلت عقده كلها أن كان
(٢١)