ما يروونه من هذه الأخبار، إذا سلمت من المطاعن والتضعيف، أخبار آحاد، وقد ثبت أنها لا توجب علما ولا عملا في الشريعة، ولا يرجع بمثلها عما علم وقطع عليه.
وأيضا قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء: " وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة " (1) ولفظة " استمتعتم " لا تعدو وجهين: إما أن يراد بها الانتفاع والالتذاذ الذي هو أصل موضوع اللفظة، أو العقد المؤجل المخصوص الذي اقتضاه عرف الشرع.
ولا يجوز أن يكون المراد هو الوجه الأول لأمرين: أحدهما أنه لا خلاف بين محصلي من تكلم في أصول الفقه في أن لفظ القرآن إذا ورد وهو محتمل لأمرين أحدهما وضع أصل اللغة، والآخر عرف الشريعة أنه يجب حمله على عرف الشريعة، ولهذا حملوا كلهم لفظ صلاة وزكاة، وصيام، وحج، على العرف الشرعي، دون الوضع اللغوي، والأمر الآخر أنه لا خلاف في أن المهر لا يجب بالالتذاذ، لأن رجلا لو وطأ زوجته ولم يلتذ بوطئها، لأن نفسه عافتها، أو كرهتها، أو لغير ذلك من الأسباب، لكان دفع المهر واجبا، وإن كان الالتذاذ مرتفعا.
فعلمنا أن لفظ الاستمتاع في الآية إنما أريد به العقد المخصوص دون غيره.
وأيضا: فقد سبق إلى القول بإباحة ذلك جماعة معروفة الأقوال من الصحابة والتابعين، كأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وابن عباس، ومناظرته لابن الزبير عليها معروفة، رواها الناس كلهم، ونظم الشعراء فيها الأشعار، فقال بعضهم:
أقول للشيخ لما طال مجلسه يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس هل لك في قنية بيضاء بهكنة (2) يكون مثواك حتى مصدر الناس وعبد الله بن مسعود، ومجاهد، وعطا، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وسلمة بن الأكوع، وأبي سعيد الخدري، والمغيرة بن شعبة، وسعيد بن جبير،