ما منهم أحد يدري حقيقته * إلا الذي جمع الآيات والسورا وقام بالحق سباقا على قدم * وما يبالي بمن قد ذم أو شكرا من الإله علينا في خلافتنا * بخاتم الحكم لم يخصص به بشرا ولا نريد بذا فخرا فيلحقنا * نقص لذلك أو يلحق بنا غيرا اعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أن الله عز وجل يقول ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله وقال ص فمن كانت هجرته إلى الله ثم قال ص لا هجرة بعد الفتح يعني فتح مكة فإنه ما ثم إلى أين وقد جعل الله بيوت النفوس الإنسانية هذه الأجسام الطبيعية التي خلقها وسواها وعدلها بالبناء لسكنى هذه النفوس الإنسانية التي هي من جملة كلهم الحق فلما نفخها فيها وأسكنها واعلم هذه النفس بما لها عند الله في تدبير هذه المملكة التي ملكها الله وركز في جبلتها علم التدبير مطلقا ثم عين لها في تدبيرها الخاص والعالم أوقات التدبير ومقادير ذلك وجهاته بلسان الشرع موافقا لميزان الطبع فيحمد ذلك التدبير الخاص والعالم فقال أهل هذا الشأن من علماء الطبيعة ما قال أحد في أصل هذا العلم أجمع ولا أبدع من قول رسول الله ص إذ قال المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء وأصل كل داء البردة وأمر في الأكل إن كثر ولا بد فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس وقال ص بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه هذا في تدبير هذا البيت فما زال يحكم فيه بحكم الله إلى أن انقدح له في سره أنه وإن حكم فيه بحكم الله إنه إنما يحكم فيه الله بحكم الله مع ثبوت عينه عنده فلما عاين ذلك أنف من الحصر في ظلمة هذا الهيكل وطلب التنزيه عنه فوجد الله قد هيأ له من عمله مركبا ذلولا غير جموح برزخيا دون البغل وفوق الحمار سماه براقا لأنه تولد من عالم الطبيعة كما يتولد البرق في عالم الجوفاء عطاه الله السرعة في السير فيضع حافره عند منتهى طرفه يراكبه فخرج مهاجرا من مدينة جسمه وأخذ في ملكوت الملأ الأعلى وآياته بعين الاعتبار لما تعطيه الآيات من العلم بالله فتلقاه الحق عند وروده عليه من أكوانه وأكوان الموجودات فأنزله عنده خير منزل وعرفه بما لم يكن قبل ذلك يعرف معرفة خطاب إلهي وشهود مشيئة من أجل المناسبة حتى لا يفجئوه الأمر بغتة فيهلك عند ذلك كما صعق موسى ع فإنه تعالى ما يتجلى له إلا في صورة محمدية فيراه برؤية محمدية وهي أكمل رؤية يرى فيها الحق وبها فيرفعه بها منزلا لا يناله إلا المحمديون وهو منزل الهوية فلا يزال في الغيب مشهده فلا يرى له أثر في الحس وهذا كان مشهد أبي السعود ابن الشبل ببغداد من أخص أصحاب عند القادر الجيلي فإذا كان صاحب هذا الشهود غير صاحب هوية بل يشهده في الملكوت مليكا وكل مشاهد لا بد أن يلبس صورة مشهوده فيظهر صاحب هذا الشهود بصورة الملك فيظهر بالاسم الظاهر في عالم الكون بالتأثير والتصريف والحكم والدعوى العريضة والقوة الإلهية كعبد القادر الجيلي وكأبي العباس السبتي بمراكش لقيته وفاوضته وكان شياعي الميزان أعطى ميزان الجود وعبد القادر أعطى الصولة والهمة فكان أتم من السبتي في شغله وأصحاب هذا المقام على قسمين منهم من يحفظ عليه أدب اللسان كأبي يزيد البسطامي وسليمان الدنبلي ومنهم من تغلب عليه الشطحات لتحققه بالحق كعبد القادر فيظهر العلو على أمثاله وأشكاله وعلى من هو أعلى منه في مقامه وهذا عندهم في الطريق سوء أدب بالنظر إلى المحفوظ فيه وأما الذي يشطح بالله على الله فذلك أكثر أدب مع الله من الذي يشطح على أمثاله فإن الله يقبل الشطح عليه لقبوله جميع الصور والمخلوق لا يقبل الشطح عليه لأنه مربوط بمقام إلهي عند الله مجهول من الوجه الخاص فالشاطح عليه قد يكذب من غير قصد ولا تعمد وعلى الله فما يكذب كالهيولي الكل التي تقبل كل صورة في العالم فأي صورة نسبت إليها أو أظهرتها صدقت في النسبة إليها وصدق الظهور فإن الصور تظهرها والهيولي الصناعية لا تقبل ذلك وإنما تقبل صورا مخصوصة فقد يمكن أن يجهل إنسان في النسبة إليها فينسب إليها صورا لا تقبلها الهيولى الصناعية هكذا هو الأمر فيما ذكرناه من الشطح على الله والشطح على أهل الله أصحاب المنازل وكان عبد القادر الجيلي رحمه الله ممن يشطح على الأولياء والأنبياء بصورة حق في حاله
(٥٦٠)