القائمة العظمى التي هي أعم القوائم والقائمة التي على يساري قائمة الشدة والقهر فحاملها لا يعلم غير ذلك والقائمة الرابعة التي تقابلني أفاضت عليها القائمة التي أنا فيها مما هي عليه فظهرت بصورتها فهي نور وظلمة وفيها رحمة وشدة وفي نصف كل وجه قائمة فهي ثمانية قوائم لا حامل لتلك الأربعة اليوم إلى يوم القيامة فإذا كان في القيامة وكل الله بها من يحملها فيكونون في الآخرة ثمانية وهم في الدنيا أربعة وما بين كل قائمتين قوائم العرش عليها وبها زينته وعددها معلوم عندنا لا أبينه لئلا يسبق إلى الأفهام القاصرة عن إدراك الحقائق إن تلك القوائم عين ما توهموه وليست كذلك فلهذا لم نتعرض لإيضاح كميتها وبين مقعر العرش وبين الكرسي فضاء واسع وهواء محترق وصور أعمال بعض بني آدم من الأولياء في زوايا العرش تطير من مكان إلى مكان في ذلك الانفساح الرحماني وقوائم هذا العرش على الماء الجامد ولذلك يضاف البرد إلى الرحمة كما قال ص وجدت برد أنامله فأعطاه العلم الذي فيه الرحمة فالعرش إنما يحمله الماء الجامد والحملة التي له إنما هي خدمة له تعظيما وإجلالا وذلك الماء الجامد مقره على الهواء البارد وهو الذي جمد الماء وذلك الهواء نفس الظلمة التي هي الغيب ولا يعلم أحد ما تلك الظلمة إلا الله كما قال عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا وفيها يكون الناس على الجسر إذا بدلت الأرض غير الأرض والتبدل في الصفة لا في العين فتكون أرض صلاح لا أرض فساد وتمد مد الأديم فلا ترى فيها عوجا ولا أمتا وسيأتي ذكر ذلك في فصله من هذه الفصول إن شاء الله وخلق الكرسي في جوف هذا العرش مربع الشكل ودلى إليه القدمين فانقسمت الكلمة الواحدة التي هي في العرش واحدة فهي في العرش رحمة واحدة إليها مال كل شئ وانقسمت في الكرسي إلى رحمة وغضب مشوب برحمة اقتضى ذلك التركيب لما يريد الله أن يظهر في العالم من القبض والبسط والأضداد كلها فإنه المعز المذل والقابض الباسط والمعطي المانع قال تعالى أفمن حق عليه كلمة العذاب فهذا من انقسام الكلمة غير إن الأمر إذا كان ذاتيا لم يكن إلا هذا انظر إلى الكون في تفصيله عجبا * ومرجع الكل في العقبى إلى الله في الأصل متفق في الصور مختلف * دنيا وآخرة فالحكم لله في الله من كونه مجلي لعالمه * ولا يرى الكون إلا الله بالله فاعلم وجودك أن الجود موجده * وكن بذاك على علم من الله فكما استوى الرحمن على العرش استوت القدمان على الكرسي وهو على شكل العرش في التربيع لا في القوائم وهو في العرش كحلقة ملقاة فالكرسي موضع راحة الاستواء فإنه ما تدلى إليه ما تدلى إلا مباسطة والقدم الثبوت فتانك قدم الصدق وقدم الجبار وقدم الجبر وقدم الاختيار ولهاتين القدمين مراتب كثيرة في العلم الإلهي لا يتسع الوقت لا يرادها لما ذهبنا إليه في هذا الكتاب من الإيجاز والاختصار ومقر هذا الكرسي أيضا على الماء الجامد وفي جوف هذا الكرسي جميع المخلوقات من سماء وأركان هي فيه كهو في العرش سواء وله ملائكة من المقسمات ولهذا انقسمت الكلمة فيه لأن هذا الصنف لا يعرفون أحدية وإن كانت فيهم فإن الله وكلهم بالتقسيم مع الأنفاس فلو أشهدهم الأحدية منهم ومن الأمور كلها ربما شغلوا بها نفسا واحدا عن التقسيم الذي خلقوا له وهم المطيعون كما أخبر الله عنهم فحيل بينهم وبين مشاهدة الواحدات فآية وحدة تجلت لهم قسموها بالحكم فلا يشهدون إلا القسمة في كل شئ ولا غفلة عندهم ولا نسيان لما علموه وأما ملائكة التوحيد والوحدات إذا جمعهم مع المقسمات مجلس إلهي وجرت بينهما مفاوضات في الأمر اختصما لأنهما على النقيض وهذا من جملة ما يختصم فيه الملأ الأعلى فيقول الصنف الواحد بالوحدة ويقول الآخر بالانقسام والثنوية لم توجد أرواحهم إلا من هذه الأرواح ولم توجد هذه الأرواح إلا من القوتين اللتين في النفس الكلية فالنفس لا تعرف إلا به * والحق لا يعرف إلا بها فكن له من ذاته منزها * وكن له من نفسه مشبها
(٤٣٢)