التي ظهر عنها الهواء الذي يمسك الماء ويمسك عليه الجرية والحملة والحافين اعلم أن هذه الظلمة هي ظلمة الغيب ولهذا سميت ظلمة أي لا يظهر ما فيها فكلما برز من الغيب ظهر لنا فنحن تنظر إلى ما ظهر من صور العالم في مرآة الغيب ولا نعرف أن ذلك في مرآة غيب وهي للحق كالمرآة فإذا تجلى الحق لها انطبع فيها ما في العلم الإلهي من صور العالم وأعيانه وما زال الحق متجليا لها فما زالت صور العالم في الغيب وكل ما ظهر لمن وجد من العالم فإنما هو ما يقابله في نظره في هذه المرآة التي هي الغيب فلو جاز أن يعلم جميع ما في علم الحق وذلك لا يجوز فلا يجوز أن يرى من صور العالم في هذه المرآة إلا ما تراءى له منها فكان مما رآه فيها صورة العرش الذي استوى الرحمن عليه وهو سرير ذو أركان أربعة ووجوه أربعة هي قوائمه الأصلية التي لو استقبل بها لثبت عليه إلا أنه في كل وجه من الوجوه الأربعة التي له قوائم كثيرة على السواء في كل وجه معلومة عندنا إعدادها زائدة على القواعد الأربعة وجعله مجوفا محيطا بجميع ما يحوي عليه من كرسي وأفلاك وجنات وسموات وأركان ومولدات فلما أوجده استوى عليه الرحمن واحد الكلمة لا مقابل لها فهو رحمة كله ليس فيه ما يقابل الرحمة وهو صورة في العماء فالعقل أبوه والنفس أمه ولذلك استوى عليه الرحمن فإن الأبوين لا ينظران أبدا لولدهما إلا بالرحمة والله أرحم الراحمين والنفس والعقل موجودان كريمان على الله محبوبان لله فما استوى على العرش إلا بما تقربه أعين الأبوين وهو الرحمن فعلمنا أنه ما يصدر عنه إلا ما فيه رحمة وإن وقع ببعض العالم غصص فذلك لرحمة فيه لولا ما جرعه إياها اقتضى ذلك مزاج الطبع ومخالفة الغرض النفسي فهو كالدواء الكرية الطعم الغير المستلذ وفيه رحمة للذي يشربه ويستعمله وإن كرهه فباطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وما استوى عليه الرحمن تعالى إلا بعد ما خلق الأرض وقدر فيها أقواتها وخلق السماوات وأوحى في كل سماء أمرها وفرع من خلق هذه الأمور كلها ورتب الأركان ترتيبا يقبل الاستحالات لظهور التكوين والتنقل من حال إلى حال وبعد هذا استوى على العرش قال تعالى فاسأل به خبيرا الضمير في قوله به يعود على الاستواء أي فاسأل بالاستواء خبيرا يعني كل من حصل له ذلك ذوقا كأمثالنا فإن أهل الله ما علموا الذي علموه إلا ذوقا ما هو عن فكر ولا عن تدبر فهو تعالى النازل الذي لا يفارق المنزل ولا النزول فهو مع كل شئ بحسب حال ذلك الشئ وفي ليلة تقييدي هذا الوجه أراني الحق في واقعتي رجلا ربع القامة فيه شقرة فقعد بين يدي وهو ساكت فقال لي الحق هذا عبد من عبادنا أفده ليكون هذا في ميزانك فقلت له من هو فقال لي هذا أبو العباس بن جودي من ساكني البشرات وأنا ذا ذاك في دمشق فقلت له يا رب وكيف يستفيد مني وأين أنا منه فقال لي قل فإنه يستفيد منك فكما أريتك إياه أريته إياك فهو الآن يراك كما تراه فخاطبه يسمع منك ويقول هو مثل ما تقول أنت يقول أريت رجلا بالشام يقال له محمد بن العربي وسماني أفادني أمرا لم يكن عندي فهو أستاذي فقلت له يا أبا العباس ما الأمر قال كنت أجهد في الطلب وأنصب وابذل جهدي فلما كشف لي علمت أني مطلوب فاسترحت من ذلك الكد فقلت له يا أخي من كان خيرا منك وأوصل بالحق وأتم في الشهود وأكشف للأمر قيل له وقل رب زدني علما فأين الراحة في دار التكليف ما فهمت ما قيل لك قولك علمت أني مطلوب ولم تدر بما ذا أنعم أنت مطلوب بما كنت عليه من الاجتهاد والجد ما هذه الدار دار راحة فإذا فرغت من أمر أنت فيه فانصب في أمر يأتيك في كل نفس فأين الفراغ فشكرني على ما ذكرته به فانظر عناية الله بنا وبه ثم نرجع فنقول ثم إنه تعالى خلق ملائكة من أنوار العرش يحفون بالعرش وجعل فيما خلق من الملائكة أربع حملة تحمل العرش من الأربع القوائم الذي هو العرش عليها وكل قائمة مشتركة بين كل وجهين إلى حد كل نصف وجه وجعل أركانه متفاضلة في الرتبة فأنزلني في أفضلها وجعلني من جملة حملته فإن الله وإن خلق ملائكة يحملون العرش فإن له من الصنف الإنساني أيضا صورا تحمل العرش الذي هو مستوي الرحمن أنا منهم والقائمة التي هي أفضل قوائمه هي لنا وهي خزانة الرحمة فجعلني رحيما مطلقا مع علمي بالشدائد ولكن علمت أنه ما ثم شدة إلا وفيها رخاوة ولا عذاب إلا وفيه رحمة ولا قبض إلا وفيه بسط ولا ضيق إلا وفيه سعة فعلمت الأمرين والقائمة التي على يميني قائمة رحمة أيضا لكن ما فيها علم شدة فينقص حاملها في الدرجة عن حامل
(٤٣١)