وقال أمير المؤمنين (ع): (لا خير في عبادة لا فقه فيها، ولا في قراءة لا تدبر فيها). وإذا لم يتمكن من التدبر إلا بالترديد،، فليردد.
ولذلك كان الأكابر كثيرا ما يكررون بعض الآيات مرات كثيرة للتدبر فيها، وربما يقفون عند آية مدة مديدة، وقال بعضهم: (لي في كل جمعة ختمة، وفي كل شهر ختمة، وفي كل سنة ختمة، ولي ختمة منذ ثلاثين ما فرغت منها بعد!)، وذلك بحسب درجات تدبره وتفتيشه.
ومنها - التفهم: وهو أن يستوضح من كل آية ما يليق بها، إذ القرآن يشتمل على ذكر صفاته تعالى، وذكر أفعاله، وذكر الجنة والنار، وأحوال النشأة الآخرة، وذكر أحوال أنبيائه، وأحوال المكذبين، وأنهم كيف أهلكوا، وذكر أحكامه وأوامره ونواهيه وغير ذلك. فإن مر بآيات صفاته تعالى، كقوله:
(ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) (45). وكقوله تعالى: (الملك القدوس السلام...) إلى آخر الآية (46) وغير ذلك.
فليتأمل في معاني هذه الأسماء والصفات، لتنكشف له أسرارها المكنونة تحتها، ولا تنكشف هذه الأسرار إلا للمؤيدين في فهم كتاب الله.
قال أمير المؤمنين (ع): (ما أسر إلي رسول الله (ص) شيئا كتمه عن الناس، إلا أن يؤتي الله عز وجل عبدا فهما في كتابه). وإن مر بآيات الأفعال، أي الآيات الحاكية عن خلقه السماوات والأرض، وما فيهما من الملائكة والكواكب والجبال والحيوان والنبات، وما بينهما من السحب والغيوم والرياح والأمطار وغير ذلك، فليفهم التالي منها عظمة الله وجلاله.
إذ الفعل يدل على الفاعل، فعظمته تدل على عظمته. وينبغي أن يشهد في الفعل الفاعل دون الفعل، إذ من عرف الحق رآه في كل شئ، إذ كل شئ منه وبه وإليه وله، فهو الكل في وحده، ومن لا يراه في كل ما يراه فكأنه ما عرفه، ومن عرفه عرف أن كل شئ ما خلا الله باطل، وأن كل شئ هالك إلا وجهه، وإن اعتبر من حيث هو، إذ مع قطع النظر عن الواجب