منه الشيطان الرجيم، قال الله تعالى:
(فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) (41).
فإذا تفرغ نفسه من الأسباب، تجرد قلبه للقراءة فلا يعرضه عارض فيحرمه بركة نور القرآن وفوائده. فإذا اتخذ مجلسا خاليا، واعتزل عن الخلق بعد أن أتى بالخصلتين: خضوع القلب وفراغ البدن، استأنس روحه وسره بالله عز وجل، ووجود حلاوة مخاطبات الله عز وجل عباده الصالحين، وعليم لطفه بهم ومقام اختصاصه لهم، بفنون كراماته، وبدائع إشاراته، فإن شرب كأسا من هذا المشرب حين إذ، لا يختار على ذلك الحال حالا، ولا على ذلك الوقت وقتا، بل يؤثره على كل طاعة وعبادة، لأن فيه المناجاة مع الرب بل واسطة. فانظر كيف تقرأ كتاب ربك ومنشور ولايتك، وكيف تجيب أوامره ونواهيه، وكيف تمثل حدوده:
(وإنه لكتاب عزيز، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) (42).
فرتله ترتيلا، وقف عند وعده ووعيده، وتفكر في أمثاله ومواعظه، واحذر أن تقع من إقامتك حروفه في إضاعة حدوده) (43).
ومنها - حضور القلب، وترك حديث النفس: وهو يترتب على التعظيم، فإن من يعظم شيئا، كلاما كان أو غيره، يستبشر ويستأنس به، ولا يغفل عنه. ولا ريب في أن القرآن يشتمل على ما يستأنس به القلب، وتفوح به النفس، أن كان التالي أهلا له.
ومنها - التدبر: وهو زائد على حضور القلب، إذ التالي ربما لم يتفكر في غير القرآن، ولكنه اقتصر على سماعه من نفسه، ومن دون تدبر فيه. والمقصود من تلاوة القرآن التدبر فيه في الباطن، قال الله سبحانه:
(أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (44).