حوائجهم. فالكلام كالملك المحجوب الغائب وجهه، المشاهد أمره، فهو مفتاح الخزائن النفيسة، وشراب الحياة الذي من شرب منه لم يمت، ودواء الأسقام الذي من سقي منه لم يسقم.
ومنها - تعظيم المتكلم: فينبغي للقارئ عند الابتداء بالتلاوة، أن يحضر في قلبه عظمة المتكلم، ويعلم أنه ليس من كلام البشر، بل هو كلام خالق الشمس والقمر، وفي تلاوة كلامه غاية الخطر، إذ كما لا ينبغي أن تمس جلده وورقه وحروفه البشرة المستقذرة بخبث أو حدث، فكذلك لا ينبغي أن تقرؤه الألسنة المستخبثة بقبائح الكلمات، وألا تحوم حول معناه القلوب المكدرة برذائل الأخلاق والصفات، فكما أنه لا يصلح لمس ظاهر خطه كل يد، بل هو محروس عن ظاهر بشرة اللامس، إلا إذا كان متطهرا، فكذلك لا يصلح لتلاوة حروفه كل لسان، ولا لنيل معانيه كل قلب، بل باطن معناه لعلوه وجلاله محجوب عن باطن القلوب، إلا إذا كانت منقطعة عن كل رجس، مستنيرة بنور التعظيم والتوقير. وبالجملة: ينبغي ألا يترك عند التلاوة تعظيم المتكلم له، ليتحقق تعظيم الكلام أيضا، إذ تعظيم الكلام بتعظيم المتكلم، ولو لم تحضره عظمة المتكلم لغفلة قلبه، فليرجع إلى التفكر في صفاته وأفعاله، ويستحضر أن المتكلم هو الذي أوجد وأظهر بمجرد أرادته كل ما يشاهده ويسمعه، من العرش والكرسي والسماوات والأرضين، وما فيها وما تحتها وما فوقها، وأنه الخالق والرازق للجميع، والكل في قبضة قدرته مسخر أسير، ومردد بين فضله ورحمته، وبين نقمته وسطوته، وجميع ذلك لا نسبة له إلى عوالم المجردات. فالتفكر في أمثال ذلك يوجب استشعار القلب لعظمة المتكلم والكلام. ولمثل هذا التعظيم كان بعضهم إذا نشر المصحف للتلاوة غشي عليه، ويقول: (هو كلام ربي، هو كلام ربي!).
ومنها - الخضوع والرقة: قال الصادق (ع): (من قرأ القرآن، ولم يخضع ولم يرق قلبه، ولا ينشئ حزنا ووجلا في سره، فقد استهان بعظيم شأن الله تعالى، وخسر خسرانا مبينا، فقارئ القرآن محتاج إلى ثلاثة أشياء: قلب خاشع، وبدن فارغ، وموضع خال. فإذا خشع لله قلبه فر