من لدن منكبيه إلى الهواء، يصلون بصلاته ويؤمنون على دعائه، وإن المصلي لينشر عليه البر من أعنان السماء إلى مفرق رأسه، ويناديه مناد: لو علم المصلي من يناجي ما التفت. وإن أبواب السماء تفتح للمصلين، وإن الله يباهي ملائكته بصدق المصلي). فإن رفع الحجاب وفتح أبواب السماء كناية عن إفاضة العلوم الباطنة عليه. وورد في التوراة: (يا ابن آدم، لا تعجز أن تقوم بين يدي مصليا باكيا، فأنا الله الذي اقتربت من قلبك، وبالغيب رأيت نوري) وورد: (أن العبد إذا صلى ركعتين، عجبت منه عشرة صفوف من الملائكة، كل صف منهم عشرة آلاف، وباهى الله به مئة ألف).
وذلك لأن العبد جمع في الصلاة بين القيام والقعود، والركوع والسجود، والذكر باللسان، وغير ذلك. وليس لملك من الملائكة هذا القسم من العبادة الجامعة بين الكل، بل هذه الأفعال موزعة عليهم، فبعضهم قائمون لا يركعون إلى يوم القيامة، وبعضهم ساجدون لا يرفعون إلى يوم القيامة، وهكذا الراكعون والقاعدون، فإن ما أعطي الملائكة من القرب والرتبة لازم لهم، مستمر على حالة واحدة، لا تزيد ولا تنقص، وليس لهم مرتبة الترقي من درجة إلى أخرى، وباب المزيد مسدود عليهم، ولذلك قالوا: (وما منا إلا له مقام معلوم)، بخلاف الإنسان، فإن له الترقي في الدرجات، والتقلب في أطوار الكمالات، ومفتاح مزيد الدرجات هي الصلاة، قال الله سبحانه:
(قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) فمدحهم بعد الإيمان بصلاة مخصوصة، وهي المقرونة بالخشوع، ثم ختم أوصاف المفلحين بالصلاة أيضا، فقال في آخرها:
(والذين هم على صلاتهم يحافظون)، ثم قال في ثمرة تلك الصفات:
(أولئك هم الوارثون، الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) (37).
فوصفهم في بالفلاح أولا، وبوارثة الفردوس آخرا. فالمصلون هم ورثة الفردوس وورثة الفردوس هم المشاهدون لنور الله بقربه ودنوه بالقلب.
وكل عاقل يعلم أن مجرد حركة اللسان والجوارح مع غفلة القلب، لا تنتهي درجته إلى هذا الحد.