قبح مقالتهم.. وقس على ذلك غيره من الآيات المختلفة. ومهما تمت المعرفة كانت الخشية أغلب الأحوال على القلب، إذ التضيق غالب على آيات القرآن إذ لا ترى ذكر المغفرة والرحمة إلا مقرونا بشروط يقصر الأكثرون عن نيلها، ولذلك كان في الخائفين من يصير مغشيا عليه عند استماع آيات الوعيد، ومنهم من مات بمجرد استماعها. وبالجملة: المقصود الأصلي من القرآن، استجلاب هذه الأحوال إلى القلب والعمل به وإلا فالمؤنة بتحريك اللسان بحروفه خفيفة. وحق تلاوة القرآن أن يشترك فيها اللسان والعقل والقلب فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظ العقل إدراك المعاني، وحظ القلب الاتعاض والتأثر بالحالات المذكورة. فاللسان واعظ القلب، والعقل مترجم، والقلب متعظ.
ومنها - الترقي: وهو أن يترقى إلى أن يسمع الكلام من الله تعالى لا من نفسه. فدرجات القراءة ثلاث: الأولى: وهي أدناها، أن يقدر العبد أنه يقرؤه على الله تعالى واقفا بين يديه، وهو ناظر إليه ومستمع منه، فتكون حاله - على هذا التقدير - التملق والسؤال والتضرع والابتهال.
الثانية: أن يشهد بقلبه، كأن ربه يخاطبه باللطافة، ويناجيه بإحسانه وإنعامه فمقامه الهيبة والحياء والتعظيم والاصغاء. الثالثة: أن يرى في الكلام المتكلم، وفي الكلمات الصفات، فلا ينظر إلى نفسه وإلى تلاوته، ولا إلى تعلق الإنعام به من حيث أنه منعم عليه، بل يكون مقصود الهم على التكلم موقوف الفكر عليه. كأنه مستغرق بمشاهدة المتكلم من غيره. وهذه درجة المقربين والصديقين، وما قبله من درجات أصحاب اليمين وما خرج من ذلك فهو درجات الغافلين. وقد أخبر عن الدرجة العليا سيد الشهداء - أرواحنا فداه - حيث قال (ع): (الذي تجلى لعباده في كتابه بل في كل شئ، وأراهم نفسه في خاطبه، بل في كل نور). وأشار إليها الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام حيث قال: (والله لقد تجلى الله عز وجل بخلقه في كلامه! ولكن لا يبصرون). وروي: (أنه لحقته حالة في الصلاة، حتى خر مغشيا عليه، فلما سرى عنه، قيل له في ذلك، فقال (ع): ما زلت أردد الآية على قلبي، حتى سمعتها من المتكلم بها، فلم يثبت جسمي لمعاينة قدرته). وفي مثل