ذكر الله ولا يبقى بعد الموت عائق، فكأنه خلى بينه وبين محبوبه، فعظمت غبطته، وتخلص من السجن الذي كان ممنوعا فيه عما به أنسه، وهذا الأنس يتلذذ به العبد بعد موته إلى أن ينزل في جوار الله، ويترقى من الذكر إلى اللقاء، قال الصادق (ع): (من كان ذاكرا لله على الحقيقة فهو مطيع، ومن كان غافلا عنه فهو عاص، والطاعة علامة الهداية، والمعصية علامة الضلالة، وأصلها من الذكر والغفلة، فأجعل قلبك قبلة للسانك، ولا تحركه إلا بإشارة القلب، وموافقة العقل، ورضا الإيمان، فإن الله تعالى عالم بسرك وجهرك، وكن كالنازع روحه، أو كالواقف في العرض الأكبر، غير شاغل نفسك عما عناك مما كلفك به ربك في أمره ونهيه ووعده ووعيده، ولا تشغلها بدون ما كلفك به ربك. واغسل قلبك بماء الحزن، وأجعل ذكر الله تعالى من أجل ذكره تعالى إياك، فإنه ذكرك وهو غني عنك، فذكره لك أجل وأشهى وأثنى وأتم من ذكرك له وأسبق، ومعرفتك بذكره لك تورثك الخشوع والاستحياء والانكسار، ويتولد من ذلك رؤية كرمه وفضله السابق، وتصغر عن ذلك طاعتك وإن كثرت في جنب منته، وتخلص لوجهه، ورؤيتك ذكرك له، يورثك الرياء والعجب والسفه والغلظة في خلقه، واستكثار الطاعة ونسيان فضله وكرمه، ولا تزداد بذلك من الله تعالى إلا بعدا، ولا تستجلب به على مضي الأيام إلا وحشة. والذكر ذكران: ذكر خالص بموافقة القلب، وذكر صارف لك ينفي ذكر غيره، كما قال رسول الله (ص): (أنا لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك). فرسول الله (ص) لم يجعل لذكره الله عز وجل مقدارا عند علمه بحقيقة سابقة ذكر الله عز وجل من قبل ذكره، ومن دونه أولى، فمن أراد أن يذكر الله تعالى، فليعلم أنه ما لم يذكر الله العبد بالتوفيق لذكره، لا يقدر العبد على ذكره) (38).
(٢٩١)