والأنبياء والأوصياء - عليهم السلام -: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة)، وكانوا يستعيذون من شماتة الأعداء وسوء القضاء.
وقال (ص): (سلوا الله العافية، فما أعطي عبد أفضل من العافية إلا اليقين)، وأشار باليقين إلى عافية القلب من الجهل والشك، وهو أعلى وأشرف من عافية البدن، وقال (ص) في دعائه: (والعافية أحب إلي).
وبالجملة: هذا أظهر من أن يحتاج إلى الاستشهاد. إذ البلاء إنما يصير نعمة بالإضافة إلى ما هو أكثر منه في الدنيا والآخرة، وبالإضافة إلى ما يرجى من الثواب في الآخرة، ومن حيث يوجب تجرد النفس وانقطاعها من الدنيا وميلها إلى الآخرة. فينبغي أن يسأل تمام النعمة في الدنيا، والثواب في الآخرة على شكر المنعم، والتجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، فإنه قادر على إعطاء الكل، وما نقل عن بعض العارفين، من سؤالهم المصائب والبلاء، كما قال بعضهم: (أود أن أكون جسرا على النار يعبر علي الخلق كلهم فينجون، وأكون أنا في النار) وقال سمنون المحب ( (وليس لي في سواك حب فكيفما شئت فاختبرني) فمبناه على غلبة الحب، بحيث يظن المحب بنفسه أنه يحب البلاء. ومثل ذلك حالة تعتريه وليس لها حقيقة. فإن من شرب كأس المحبة سكر، ومن سكر توسع في الكلام، ولما زال سكره علم أن ما غلب عليه كانت حالة لا حقيقة. فما تسمعه من هذا القبيل فهو كلام العشاق الذين أفرط حبهم، وكلام العشاق يستلذ سماعه ولا يعول عليه. وقد روي: (أن فاختة كان يراودها زوجها فتمنعه، فقال: ما الذي يمنعك عني، ولو أردت أن أقلب لك ملك سليمان ظهرا لبطن لفعلته لأجلك؟ فسمع ذلك سليمان (ع)، فطلبه وعاتبه في ذلك فقال: يا نبي الله كلام العشاق لا يحكى). ونقل: (أن سمنون المحب بعد ما قال البيت المذكور، ابتلى بمرض الحصر، فكان يصيح ويجزع ويسأل الله العافية، ويظهر الندامة مما قال، ويدور على أبواب المكاتب، ويقول للصبيان: ادعوا لعمكم الكذاب). والحاصل: أن صيرورة البلاء أحب عند بعض المحبين من العافية، لاستشعارهم رضا المحبوب لأجله، وكون رضاه عندهم أحب وألذ من العافية إنما يكون في غليان الحب، فلا يثبت ولا يدوم. ومع ذلك كله، فأعلم أن الظاهر من بعض الأخبار الآتية