أو يزيد ثوابهم وترفع درجاتهم. فليقدر نفسه منهم مع إجابة دعوته ورده إلى الدنيا، فليصرف بقية عمره فيما يشتهي أهل القبور العودة لأجله.
الرابع - أن يتذكر بعض ما ورد عليه في بعض أيام عمره من المصائب العظيمة والأمراض الصعبة التي ظن هلاك نفسه بها، فليتصور أنه هلك بها ويغتنم الآن حياته وماله من النعم، فليشكر الله على ذلك، ولا يتألم ولا يحزن من بعض ما يرد عليه مما ينافي طبعه.
الخامس - أن يشكر في كل مصيبة وبلية من مصائب الدنيا من حيث إنه لم تصبه مصيبة أكبر منها، وإنه لم تصبه مصيبة في الدين. ولذلك قال عيسى (ع) في دعائه: (اللهم لا تجعل مصيبتي في ديني!). وقال رجل لبعض العرفاء: (دخل اللص في بيتي وأخذ متاعي)، فقال له: (اشكر الله لو كان الشيطان يدخل بدله في قلبك ويفسد توحيدك، ماذا كنت تصنع؟).
ومن حيث أن كل مصيبة إنما هي عقوبة لذنب صدر منه، فإذا حلت به هذه العقوبة حصلت له النجاة من عقوبة الآخرة، كما قال رسول الله (ص):
(إن العبد إذا أذنب ذنبا فإصابته شدة أو بلاء في الدنيا، فالله أكرم من أن يعذبه ثانيا). وقد ورد هذا المعنى بطرق متعددة من أئمتنا - عليهم السلام - أيضا، فليشكر الله على تعجيل عقوبته وعدم تأخيرها إلى الآخرة.
ومن حيث أن هذه المصيبة كانت مكتوبة آتية إليه البتة، فقد أتيت وفرغ منها. ومن حيث أن ثوابها أكثر منها وخير له، لما يأتي في باب الصبر من عظم مثوبات الابتلاء بالمصائب في الدنيا ومن حيث أنها تنقص في القلب حب الدنيا والركون إليها، وتشوق إلى الآخرة وإلى لقاء الله سبحانه.
إذ لا ريب في أن من آتاه النعم في الدنيا على وفق المراد، من غير امتزاج ببلاء ومصيبة، يورث طمأنينة القلب إلى الدنيا وأنسا بها، حتى تصير كالجنة في حقه، فيعظم بلاؤه عند الموت بسبب مفارقته، وإذا كثرت عليه المصائب انزعج قلبه عن الدنيا ولم يأنس بها، وصارت الدنيا سجنا عليه وكانت نجاته منها كالخلاص من السجن. ولذلك قال رسول الله (ص):
(الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) فمحن الدنيا ومصائبها ورياضاتها توجب انزعاج النفس عنها، والتفاتها إلى عالمها الأصلي، وتشوقها إلى