إلى ملك من الملائكة، ويكون الموكل به ملكا واحدا على حدة، ولا يمكن أن يفوض جميعها إلى ملك واحد، كما لا يمكن أن يتولى إنسانا واحدا سبعة أعمال في الحنطة، كالطحن وتمييز النخالة، ودفع الفضلة عنه، وصب الماء عليه، والعجن، وقطعها كسرات مدورة، وترقيقها رغفانا عريضة، وإلصاقها بالتنور. إذ الملك وحداني الصفة ليس فيه خلط وتركيب من المتضادات. فلا يكون لكل واحد منهم إلا فعل واحد، كما أشير إليه بقوله - تعالى -:
(وما منا إلا له مقام معلوم) 15 ولذلك، ليس بينهم تحاسد وتنافس. ومثالهم في تعيين مرتبة كل واحد منهم وعدم مزاحمة الآخرين له مثال الحواس الخمس، وليس كالانسان الذي يتولى بنفسه أمورا مختلفة، وسبب ذلك اختلاف صفاته ودواعيه، فإنه لما لم يكن وحداني الصفة لم يكن وحداني الفعل، ولذلك ترى أنه يطيع الله تارة ويعصيه أخرى. وذلك غير موجود في الملائكة، فإنهم مجبولون على الطاعة لم تتصور في حقهم معصية، ولكل منهم طاعة خاصة معينة.
فالراكع منهم راكع أبدا، والساجد منهم ساجد دائما، والقائم منهم قائم أبدا، لا اختلاف في أفعالهم ولا فتور، ولكل واحد منهم مقام معلوم.
وإذ قد ظهر لك عدد ما يحتاج إليه بعض أفعال مجرد الاغتذاء من الملائكة الأرضية المستمدين من الملائكة السماوية، فقس عليه سائر أفعال الاغتذاء، وسائر أفعالك الباطنة والظاهرة، فإن بيان ذلك ليس ممكنا. ثم قس على ذلك إجمالا جملة صنائع الله وأفعاله الواقعة في عالمي الجبروت والملكوت، وعالم الملك والشهادة، فسماواته وأرضه وما بينهما وما تحتهما وما فوقهما فإن أعداء الملائكة الموكلين بها غير متناهية، كيف ومجامع طبقات الملائكة وقد ظهر مما عرف من توقف كل نعمة على نعم كثيرة متسلسلة، إلى أن ينتهي إلى الله، واتصال البعض بالبعض ووقوع الارتباط والترتب