(وأرسلنا الرياح لواقح) 13 وإلقاحها إنما هو إيقاعها الازدواج بين الهواء والماء والأرض. ثم لا يكفي ذلك في إنباته في برد مفرط، فيحتاج إلى حرارة الصيف والربيع.
فهذه أربعة أسباب، فإن الماء لا بد أن ينساق إلى أرض الزراعة من البحار والشطوط والأنهار والعيون والسواقي، فانظر كيف خلق الله جميع ذلك.
ثم الأرض ربما تكون مرتفعة لا ترتفع إليها مياه العيون والقنوات، فخلق الله الغيوم، وهي سحب ثقال حاملات للماء، وسلط عليها الرياح لتسويقها بإذنه إلى أقطار العالم من المرتفعات والمنخفضات، وترسلها مدرارا على الأراضي في وقت الربيع والخريف على حسب الحاجة، ثم خلق الجبال حافظة للمياه تنفجر منها العيون تدريجا على قدر الحاجة، ولو خرجت دفعة لغرقت البلاد، وهلك الزرع والمواشي. ونعم الله تعالى وعجائب صنعه وحكمته في السحاب والبحار والجبال والأمطار لا يمكن إحصاؤها. وأما الحرارة، فإنها لا يمكن أن تحصل في الماء والأرض، لكونهما باردين.
فخلق الله الشمس، وسخرها، وجعلها - مع بعدها عن الأرض - مسخنة لها في وقت دون وقت، ليحصل الحر عند الحاجة إليه، والبرد عند الافتقار إليه، وهذه أخس حكم الشمس، والحكم فيها أكثر من أن تحصى. ثم النبات إذا أرتفع على الأرض كان في الفواكه انعقاد وصلابة، فتفتقر إلى رطوبة تنضجها، فخلق الله القمر، وجعل من خاصيته الترطيب، كما يظهر لك ذلك إذا كشفت رأسك له في الليل، فإنه تغلب على رأسك الرطوبة المعبر عنها ب (الزكام)، فهو بترطيبه ينضج الفواكه ويرطبها، ويصبغها بتقدير الخالق الحكيم. وهذا أيضا أخس فوائد القمر وحكمه، وما فيه من الحكم والفوائد لا مطمع في استقصائه، بل كل كوكب في السماء فقد سخر لفوائد كثيرة لا تفي القوى البشرية بإحصائها. وكما أنه ليس في أعضاء البدن عضو لا فائدة فيه، فكذلك ليس عضو من أعضاء بدن العالم لا تكون فيه فائدة أو فوائد كثيرة. والعالم كله كشخص واحد، وآحاد أجسامه