في اللحم، وتناسب الأعضاء، وتناسب خلقة الوجه، بحيث لا تنبو الطباع عن النظر إليه. وأما احتياج الفضائل الخلقية والجسمية والخارجية إلى النعم التوقيفية، فلأن المراد بالتوقيفية هو التآلف بين إرادة العبد وبين قضاء الله وقدره، بشرط كون المراد والمقضى سعادة. وبعبارة أخرى:
هو توجيه الأسباب نحو المطلوب.
وأما الهداية، فلها مراتب: أولاها: الهداية العامة، وهي إراءة طريق الخير وتعريفه. وثانيتها: الخاصة، وهي الإفاضات المتتالية الواردة من الله على بعض عبيده، نظرا إلى مجاهدتهم. وثالثتها: الهداية المطلقة، وهي النور الذي يشرق في عالم النبوة والولاية فيهتدى بهما إلى ما لا يهتدى إليه بالعقل. وتوقف تحصيل كل خير وفضيلة، كائنا ما كان، على مساعدة القضاء والقدر، وعلى العلم بطريق الخير، ظاهر.
وأما الرشد، فالمراد به العناية الإلهية، التي تعين الإنسان عند توجهه إلى مقاصده، فيقويه على ما فيه صلاحه، ويفتره عما فيه فساده، ويكون ذلك من الباطن. وبعبارة أخرى: هو هداية باعثة إلى جهة السعادة محركة إليها. وقد ظهر احتياج تحصيل الخير والسعادة إليه من مفهومه.
وأما التسديد، فهو توجيه حركاته إلى صوب المطلوب وتيسرها عليه، ليصل إليه في أسرع وقت. فالهداية محض التعريف، والرشد هو تنبيه الداعية لتستيقظ وتتحرك، والتسديد إعانة ونصرة بتحريك الأعضاء إلى صوب الصواب والسداد. وقد ظهر وجه كون التسديد معينا في طلب الخير أيضا من حاق معناه.
وأما التأييد، فإنه جامع للكل، بل هو عبارة عن تقوية أمره بالبصيرة فكأنه من داخل، وبقوة البطش ومساعدة الأسباب من خارج. وتقرب منه العصمة، وهي عبارة عن وجود إلهي يسنح في الباطن يقوى به الإنسان على تحري الخير وتجنب الشر، حتى يصير كمانع باطني غير محسوس يمنع عن الشر. وهو المراد من برهان الرب في قوله تعالى:
(ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) (12)