الأمعاء والمرارة والكلية وأحاد العروق والأعصاب والعضلات، وما فيها من التجاويف والالتفاف والاشتباك والانحراف والدقة والغلظة وغير ذلك.
فهذه الحكم وأمثالها لا يعرفها كل أحد، ومن يعرف منها شيئا فلا يعرف إلا قدرا يسيرا. فإن جميع أجزاء العالم، سماءه وكواكبه، وما فيها من الأوضاع والحركة والاختصاصات، وعناصره من كثرة النار والهواء والماء والأرض، وما فيها من البحار والجبال والرياح، والمعدن والنبات والحيوان، لا تخلو ذرة من ذراته من حكم كثيرة من عشرة إلى ألف أو أكثر، وقليل منها جلية، وأكثرها دقيقة خفية، وبعضها متوسطة في الجلاء والخفاء، يعرفها المتفكرون في خلق السماوات والأرض، وأكثر الحكم الدقيقة مما لا يعرفها غير خالقها وموجودها. ثم ما عدا الإنسان من الأشياء المجردة والمادية، الروحانية والجسمانية، جارية على وفق الحكمة، ومستعملة ذواتها وأجزاؤها وما يتعلق بها على الوجه الذي هو مقتضى المصلحة المقصودة منها وأما الإنسان فلكونه محل الاختيار ومجراه فقد يجري ويستعمل الأشياء التي يتمكن من استعمالها على خلاف ذلك، فيكون كافرا بنعمة الله سبحانه.
فمن ضرب غيره بيده فقد كفر نعمة الله في اليد، إذ خلقت له اليد ليدفع بها عن نفسه ما يؤذيه، ويأخذ ما ينفعه، لا ليهلك به غيره. ومن نظر إلى وجه غير المحرم فقد كفر نعمة العين، لأنها خلقت ليبصر بها ما ينفعه في دينه ودنياه، ويتقي بها ما يضره فيهما. ومن أدخر الدراهم والدنانير وحبسهما فقد كفر نعمة الله فيهما، لأنهما حجران لا منفعة ولا عوض في أعيانهما، وإنما خلقهما الله تعالى ليكونا حاكمين يحصل بهما التعديل والمساواة والتقدير بين سائر الأموال من الأعيان المتناثرة المتباعدة، فهما عزيزان في أنفسهما. ولا غرض في أعينهما. ونسبتهما إلى سائر الأموال نسبة واحدة. فمن ملكهما فكأنه ملك، كل شئ لا كمن ملك ثوبا، فإنه لا يملك إلا الثوب. فإن أحتاج إلى طعام ربما لم يرغب صاحب الطعام في الثوب، إذ لا غرض له في ذاته، بخلاف النقدين، فإنهما من حيث الصورة كأنهما ليسا بشئ، ومن حيث المعنى كإنهما كل الشئ. والأشياء إنما تستوي نسبتها إلى المختلفات - إذا لم يكن لها صورة خاصة تقيدها