خلقت آدم بيدك، وأسكنته جنتك، وزوجته حواء أمتك، فكيف شكرك؟
فقال: علم أن ذلك مني، فكانت معرفته شكرا).
ثم هذه المعرفة فوق التقديس وفوق بعض مراتب التوحيد، وهما داخلان فيها. إذ التقديس تنزيهه - سبحانه - عن صفات النقص، والتوحيد قصر المقدس عليه، والاعتراف بعدم مقدس سواه وهذه المعرفة هي اليقين بأن كل ما في العالم موجود منه، والكل نعمة منه، فينطوي فيه مع التقديس والتوحيد كمال القدرة والانفراد بالفعل، ولذلك قال رسول الله (ص): (من قال: سبحانه الله، فله عشر حسنات، ومن قال: لا إله إلا الله، فله عشرون حسنة ومن قال: الحمد لله، فله ثلاثون حسنة).
فسبحان الله: كلمة تدل على التقديس، ولا إله إلا الله: كلمة تدل على التوحيد، والحمد لله: كلمة تدل على معرفة النعم من الواحد الحق. ولا تظنن أن هذه الحسنات بإزاء تحريك اللسان بهذه الكلمات من غير عقد القلب بمعانيها، بل هي بإزاء الاعتقاد بمعانيها التي هي المعارف المعدودة من أبواب الإيمان واليقين. وأما الفرح بالمنعم، مع هيئة الخضوع والتواضع، فهو أيضا من أركان الشكر. بل كما أن المعرفة شكر قلبي برأسه، فهو أيضا في نفسه شكر بالقلب، وإنما يكون شكرا إذا كان فرحه بالمنعم أو بالنعمة لا من حيث أنه نعمة ومال ينتفع به ويلتذ منه في الدنيا، بل من حيث أنه يقدر بها على التوصل إلى القرب من المنعم والنزول في جواره، والنظر إلى وجهه على الدوام. وأمارته ألا يفرح من الدنيا إلا بما هو مزرعة الآخرة ومعينة عليها، ويحزن بكل نعمة تلهيه عن ذكر الله وتصده عن سبيله، لأنه ليس يريد النعمة لذاتها، بل من حيث أنها توصله إلى مجاورة المنعم وقربه ولقائه. وأما العمل بموجب الفرح الحاصل من معرفة المنعم، هو القيام بما هو مقصود المنعم ومحبوبه، وهو يتعلق بالقلب واللسان والجوارح. أما المتعلق بالقلب فقصده الخير وإضماره لكافة الخلق. وأما المتعلق باللسان فإظهار الشكر لله من تحميدات الدالة عليه. وأما المتعلم بالجوارح، فاستعمال نعم الله في طاعته ولتوقي من الاستعانة بها على معصيته حتى أن من جملة شكر العينين أن يستر كل عيب يراه من مسلم، ومن جملة شكر الأذنين