ومنهم من عميت بصيرته، فلم يعتبر، فاحتبس في عالم الملك والشهادة وستفتح إلى حبسه له أبواب جهنم. وأما الثالث - فأكثر وجودا منه.
وأما الرابع - فدار الدنيا طافحة به، لقصور أكثر الناس عن إدراك لذة العلم، إما لعدم الذوق، إذ من لم يعرف ولم يشتق، إذ الشوق فرع الذوق وذلك إما لقصور فطرتهم وعدم اتصافهم بعد بالصفة التي بها يستلذ العلم، كالطفل الرضيع الذي لا يدرك لذة العسل، ولا يستلذ إلا باللبن، فهؤلاء ممن يحيي باطنه بعد كالطفل. وإما لمرض قلوبهم أو موتها بسبب أتباع الشهوات، كالمريض الذي لا يدرك لذة الشكر، أو الميت الذي سقط عنه الإدراك، وهؤلاء كالمرضى أو الأموات بسبب اتباع الشهوات.
القسم الثاني - الفضائل البدنية: وهي أربعة: الصحة، والقوة، وطول العمر، والجمال.
الثالث - النعم الخارجة المضيفة بالبدن: وهي: المال، والجاه، والأهل، وكرم العشيرة.
الرابع - الأسباب التي تناسب وجه الفضائل النفسية، ويعبر عنها بالنعم التوفيقية: وهي هداية الله، ورشدة، وتسديده، وتأييده وهذه الجملة مما يتوقف بعضها على بعض، إلى أن ينتهي إلى السعادة التي هي مطلوبة لذاتها. والتوقف إما على سبيل اللزوم والضرورة، كتوقف سعادة الآخرة على الفضائل النفسية والبدنية، وتوقف الفضائل النفسية على صحة البدن، أو على سبيل النفع والإعانة، كتوقف الفضائل النفسية والبدنية على النعم الخارجة. ووجه كونها معينة نافعة في تحصيل العلم وتهذيب الأخلاق وصحة البدن ظاهر. وإعانة الجمال في كسب الفضائل النفسية والبدنية مبني على أن القبيح مذموم، والطباع عنه نافرة، فحاجات الجميل إلى الإجابة أقرب، وجاهه في الصدور أوسع. وأيضا الغالب دلالة الجمال على فضيلة النفس، لأن نور النفس إذا تم إشراقه تأدى إلى البدن. ولذلك عول أصحاب الفراسة في معرفة مكارم النفس على هيئات البدن. ثم إنا لا نعني بالجمال ما يحرك الشهوة، فإن ذلك أنوثة، بل نعني به البراءة عن العيوب والنقص والزيادة، وارتفاع القامة على الاستقامة، مع الاعتدال