(يود أحدهم لو يعمر ألف سنة) (29) وهو الذي انغمر في الدنيا وخاض في لذاتها، وليس له من الآخرة نصيب. (ومنهم) من يأمل البقاء إلى أقصى مدة العمر الذي يتصور لأهل عصره، وهو الذي يحب الدنيا حبا شديدا، ويشتغل بجمع ما يمكنه في هذه المدة، وربما يجتهد بجمع الأزيد منه. (ومنهم) من يأمل أقل من ذلك إلى أن ينتهي إلى من لا يأمل أزيد من سنة، فلا يشتغل بتدبير ما وراءها، ولا يقدر لنفسه وجوده في عام قابل، فإن بلغه حمد الله على ذلك، ومثله يستعد في الصيف للشتاء وفي الشتاء للصيف، وإذا جمع ما يكفيه السنة أشتغل بالعبادة. (ومنهم) من يأمل أقل من السنة إلى أن ينتهي إلى من لا يأمل أزيد من يوم وليلة، فلا يستعد إلا لنهاره دون غده. (ومنهم) من يكون الموت نصب عينيه، كأنه واقع به وهو ينتظره، ومثله يصلي دائما صلاة المودعين. وروي: (أن النبي (ص) سئل بعض الصحابة عن حقيقة إيمانه، قال: ما خطوت خطوة إلا ظننت أني لا أتبعها أخرى). وكان بعضهم إذا يصلي يلتفت يمينا وشمالا، ولما قيل له: ما هذا الالتفات؟
قال: (انتظر ملك الموت من أي جهة يأتيني).
ثم أكثر الخلق - (لا) سيما في أمثال زماننا - قد غلبهم طول الأمل، بحيث يأمل أقل من أقصى مدة السن، وقل فيهم من قصر أمله، والعجب أنه كلما يزداد السن يزداد طول الأمل وفي عصرنا أكثر المشايخ والمعمرين حرصهم وطول أملهم أكثر من الشبان، ومن هنا قال رسول الله (ص):
(يشيب ابن آدم وتشب فيه خصلتان: الحرص، وطول الأمل). وقال صلى الله عليه وآله: حب الشيخ شاب في طلب الدنيا، وإن التفت ترقوتاه من الكبر، إلا الذين اتقوا، وقليل ما هم).
ثم يعرف طول الأمل وقصره بالأعمال: فمن اعتنى بجمع أسبابها لا يحتاج إليها في سنة فهو طويل الأمل، وكذلك من انتشرت أموره، بأن يكون له مع الناس معاملات ومحاسبات إلى مدة معينة، كالسنة وأزيد منها، وكان