من مالت القلوب إلى قبوله، وزاد أثر كلامه في القبول على كلامه، شق ذلك عليه، إذ لولا أن النفس قد استبشرت واستلذت بالرئاسة لكان يغتنم ذلك.
وعلى هذا فينبغي ألا يشتغل أحد بالنصح والوعظ إلا إذا وجد من نفسه أنه ليس له قصد سوى هدايتهم إلى الله - تعالى -، وكان يسره غاية السرور ظهور من يعينه على إرشادهم أو اهتدائهم من عند أنفسهم، وانقطع طمعه بالكلية عن ثنائهم وأموالهم، واستوى عنده حمدهم وذمهم، ولم يبالي بذمهم إذا كان الله يمدحه، ولم يفرح بمدحهم إذا لم يقترن به مدح الله، ونظر إليهم كما ينظر إلى من هو أعلم منه وأورع، حيث لا ينكر عليه ويراه خيرا من نفسه، لدلالة الظاهر على ذلك وجهله بالخاتمة وإلى البهائم من حيث انقطاع طمعه عن طلب المنزلة في قلوبهم، فإنه لا يبالي كيف يراه البهائم، فلا يتزين لها، إذ راعي الماشية إنما غرضه رعايتها ودفع الذئب عنها، دون نظر الماشية إليه بعين المدح والثناء.
ثم لو ترقى الواعظ، وعلم بهذه المكيدة من الشيطان، واشتغل بنفسه وترك النصح، أو نصح مع رعاية شرط الصدق والاخلاص، لخيف عليه الاعجاب بنفسه في فراره عن الغرور، فيكون إعجابه بنفسه في الفرار عن الغرور غاية الغرور، وهو المهلك الأعظم من كل ذنب، ولذلك قال الشيطان:
(يا ابن آدم! إذا ظننت أنك بعملك تخلصت مني فبجهلك قد وقعت في حبائلي). ثم لو دفع عن نفسه العجب، وعلم أن ذلك من الله تعالى لا منه، وأن مثله لا يقوى على دفع الشيطان عنه إلا بتوفيق الله، وأنه ضعيف عاجز لا يقدر على شئ أصلا، فضلا عن دفع الشيطان، لخيف عليه الغرور بفضل الله والثقة بكرمه والأمن من مكره، حتى يظن أنه يبقى على هذه الوتيرة في المستقبل. ولا ريب أن الآمن من مكر الله خاسر مغرور، فسبيل النجاة بعد تهذيب النفس وخلوص القصد والانقطاع عن الدنيا ولذاتها، أن يرى ذلك كله من فضل الله، وكان خائفا على نفسه من سلب حاله في كل لحظة، وغير آمن من مكر الله، وغير غافل عن خطر الخاتمة. وهذا خطر لا محيص عنه وخوف لا نجاة منه، إلا بمجاوزة الصراط والدخول في الجنة، ولذلك