التصوف ولا شيئا من مراسم الدين، وصرفوا أوقاتهم في التكدي والسؤال من الناس، ويظنون أنهم تاركون للدنيا مقبلون على الآخرة، مع أنهم لو ظفروا بشئ من أمور الدنيا لأخذوه بجميع جوارحهم، فهؤلاء أرذل الناس بوجوه كثيرة لا تخفى.
(ومنهم) من أغتر بالزي، والمنطق وليس الصوف، وإطراق الرأس وإدخاله في الجيب. وخفض الصوت، وتنفس الصعداء، وتحريك البدن في الطول والعرض، والسقوط إلى الأرض، (لا) سيما إذا سمعوا كلاما في الوحدة والعشق، مع عدم اطلاعهم على حقيقة شئ منها. وربما تجاوز بعضهم من ذلك إلى الرقص والتصفيق، وإبداء الشهيق والنهيق، واختراع الأذكار، والتغني بالأشعار... وغير ذلك من الحركات القبيحة والهيئات الشنيعة، ويظن أن العبد بهذه الحركات والأفعال يصل إلى الدرجات العالية، ولم يعلم المغرور أنها تقرب العبد إلى سخط الله وعذابه.
(ومنهم) من وقع في الإباحة، وطوى بساط الشرع والأحكام ، وترك الفصل بين الحلال والحرام، يتكالب على الحرام والشبهات، ولا يحترز عن أموال الظلمة والسلاطين. وربما قال: المال مال الله والخلق عيال الله، فهم فيه سواء. وربما قال: أن الله مستغن عن عملي، فأي حاجة إلى أن أتعب نفسي فيه؟ وربما قال: لا وزن لأعمال الجوارح، وإنما النظر إلى، القلوب، وقلوبنا والهة إلى حب الله واصلة إلى معرفة الله. وربما خاضوا في الشهوات الدنيوية، وقالوا: إنها لا تصدنا عن طريق الله. لقوة نفوسنا وقوة أقدامنا فيها، وإنما يحتاج العوام إلى تهذيب النفس بالأعمال.
البدنية، ونحن مستغنون عنه. فهؤلاء يرفعون درجتهم عن درجة الأنبياء عليهم السلام إذ كانوا يصرحون بأن ارتكاب الأمور المباحة فضلا عن الخطايا والمعاصي يصدهم عن طريق الله، حتى يبكون سنين متوالية على ترك الراجح وفعل المرجوح، فهم أشد الناس غرورا، وأعظم الخلق حماقة وجهلا.
(ومنهم) من يدعي غاية المعرفة واليقين والوصول إلى درجات المقربين، ومشاهدة المعبود، ومجاورة المقام المحمود، والملازمة في عين الشهود، وتلقف من الطامات كلمات يرددها، ويظن أنه يتكلم عن الوحي