في المقام كون مذهب المجروح مثلا على حلية العصير أو الغناء في الرثاء مثلا وكان مذهب الجارح والحاكم على حرمتهما لا يجوز لهما الحكم بفسقه كيف وهو لم يعص الله بالنسبة إليه أبدا لكونه مأذونا شرعا في ارتكابه غاية الأمر كونه مخطأ في نظرهما وهو مما لا يوجب الفسق بعد كونه معذورا نعم لو لم يكن معذورا في خطئه كما لو قصر في الاجتهاد لكان في الحكم بفسقه وجه لكنه خارج عما نحن فيه والحاصل ان الطريق إلى فسق المكلف وعدالته هو مخالفة ما أدى إليه تكليفه وعدمها ولا مدخل فيهما لتكليف الغير أبدا.
فإن قلت كلامهم هذا إنما هو في صورة الجهل بمذهب المجروح أو المزكى لا في صورة العلم بمذهبه وانه ما خالف تكليفه فإنه إذا جهل تكليفه لا بد من أن يعمل كل مكلف في احراز الفسق والعدالة الواقعيين على ما هو مقتضى تكليفه غاية الأمر انه إذا علم تكليفه يكون هو طريقا إلى الواقع فيجب على الجارح ذكر السبب حتى يعمل القاضي على ما هو مذهبه.
قلت أولا انه لا دلالة في كلامهم على اختصاصه بالصورة المذكورة وثانيا سلمنا اختصاصه بها لكن نقول إن مقتضى الوجه الذي ذكرنا هو وجوب التوقف في الصورة المذكورة وعدم الحكم بشئ حتى يعلم مذهبه أو الحكم بعدم فسقه من حيث حمل فعله على الصحة ولا وجه للحكم بفسقه بعد كون مذهب الحاكم مقتضيا للفسق مع الجهل بمذهبه لان الحرمة بمذهب الحاكم لا تجدي في الحرمة بمذهبه إلا إذا فرض كونه مقلدا له فيخرج عن الفرض فهل ترى من نفسك أو من أحد الحكم بفسق شخص إذا رأيته يشرب ما اختلف في حرمته إذا كان مذهبك على الحرمة مع الجهل بمذهب الشارب واحتمال كونه على الحلية حاشاك ثم حاشاك وأنت برئ من ذلك.
فإن قلت ما ذكرته من الحكم بالفسق فيما لو كان مذهب المجروح على حرمة ما شربه مثلا وإن كان مذهب الحاكم والجارح على الحلية انما يستقيم على القول بحرمة التجري وكونه مؤثرا في جعل غير الواقع كالواقع في الحكم كما هو مختار بعض وأما لو قلنا بعدم حرمته وتأثيره في ذلك كما هو المختار فلا دليل على كون مجرد اقدامه على مخالفة ما أدى إليه ظنه أو تقليده معصية ما لم يعلم موافقتها للواقع كما هو المفروض.
قلت أولا القول بكون مخالفة الحكم الظاهري معصية لا توقف له على القول بحرمة التجري بل يتم على القول بعدمها أيضا فإن مخالفة الحكم الظاهري كالواقعي معصية توجب استحقاق العقاب وثانيا سلمنا ذلك لكن نقول إن التجري وإن لم نقل بكونه مؤثرا في تحريم الفعل لكنه مؤثر في ارتفاع الملكة المانعة عن التجري قطعا فإن المفروض كون الفعل المتجري به في اعتقاده حراما وإن لم يكن كذلك في اعتقاد غيره هذا.
وقد يجاب عن هذا الاشكال في طرق الجرح بأن مذهبهم في الكبيرة الموجبة للفسق كونها كبيرة عند الحاكم الأعم من الجارح والقاضي لا عند الفاعل فلا يكفي كونها كبيرة عنده في الحكم بفسقه بارتكابها بعد كون اعتقاد الحاكم على خلافه ولا يؤثر اعتقاده بعدم كونها كبيرة في الحكم بعدم الفسق بعد كون الفعل كبيرة عند الحاكم لان الكبيرة من احكام الوضع لا يؤثر فيها اعتقاد الفاعل كما في الساير الموارد فهنا شيئان أحدهما كون الفعل معصية وهو دائما دائر مدار اعتقاد الفاعل ولا أثر لاعتقاد غيره فيه أصلا ثانيهما كون المعصية كبيرة فهذا من أحكام الوضع لا دخل لاعتقاد الفاعل فيه أبدا وإنما الطريق إليه اعتقاد كل من يريد ترتيب الأثر عليه فذات