قلت فرق ظاهر بين الغرض الدنيوي المطلوب من الخالق الذي يتقرب إليه بالعمل وبين الغرض الحاصل من غيره وهو استحقاق الأجرة فان الأول مما لا ينافي التقرب إليه أصلا بل يؤكده كما لا يخفى بخلاف الثاني فالقياس المذكور ليس محله أصلا لكونه مع الفارق جزما.
فان قلت إن مقتضى أدلة الإجارة هو جوب العمل على طبق ما استأجره المستأجر فبعد مجيئها فيما نحن فيه يقصد التقرب بالفعل المستأجر عليه المأخوذ فيه قصد التقرب بملاحظتها فتضاعف الوجوب بأدلة الإجارة مما يؤكد الاخلاص فلا يعقل ان ينافيه.
قلت هذا الكلام فاسد جدا إما أولا فلان الوجوب الحاصل بالإجارة ليس وجوبا تعبديا يقصد منه التقرب حتى يؤكد الاخلاص المعتبر في العبادة المستأجر عليها بل انما هو وجوب توصلي لا يقصد منه الا التوصل إلى الاتيان بالمستأجر عليه فحديث تأكيد الاخلاص لا دخل له بما نحن فيه أصلا وثانيا سلمنا كون الوجوب الحاصل من الإجارة هو الوجوب التعبدي لكن نقول إنه لا يمكن مجئ أدلة الإجارة هنا للقطع بانتفاء موضوعها حسبما عرفت من كون القربة منافية لاخذ الأجرة فلا يترتب الأثر المقصود من هذا الفعل عليه حتى يجئ (يجري خ) حديث العوضية وبعبارة أخرى المانع يدعي المنافات بين اخذ العوض وحصول الأثر المقصود من الفعل فلا يمكن ان يتحقق هناك عنوان معاوضة حتى يجري أدلة الإجارة.
فان قلت كيف يمكن دعوى التنافي بين اخذ الأجرة وقصد القربة مع أنه قد ثبت بالنص والاجماع جواز اخذ الأجرة على بعض الواجبات التعبدية كالحج نيابة عن الميت أو الحي العاجز على ما هو المشهور وكالنيابة عن سائر الواجبات التعبدية البدنية كالصلاة والصوم عن الميت على ما هو المعروف بينهم وكالتوكل في اعطاء الزكاة والخمس إلى غير ذلك والحاصل انه لا ريب في جواز اخذ الأجرة على النيابة في الواجبات التعبدية في الجملة فلو كان ثمة منافاة لاخذ الأجرة مع قصد التقرب لما جاز ذلك في باب النيابة.
قلت فرق واضح بين اخذ الأجرة على الواجبات التعبدية وبين اخذها على النيابة فيها فان الأول ينافي قصد التقرب المعتبر فيها بخلاف الثاني والوجه في ذلك أن الأجرة على الواجبات النيابتية انما هي على نفس النيابة والتنزيل لا على أصل الفعل المتقرب به بخلاف الحال فيما نحن فيه فان الأجرة فيه على نفس الصلاة المتقرب بها وهو ينافي التقرب المعتبر فيها.
فان قلت الموجود في الخارج من الأجير ليس إلا الصلاة عن الميت مثلا وهذه هي متعلقة للإجارة والنيابة كلتيهما فإن لم يمكن الاخلاص في متعلق الإجارة لم يترتب على تلك الصلاة نفع للميت وان أمكن لم يناف الاخلاص لاخذ الأجرة كما ادعيت وليست النيابة عن الميت في الصلاة المتقرب بها إلى الله تعالى شيئا ونفس الصلاة شيئا اخر حتى يكون الأول موردا للإجارة والثاني موردا للاخلاص ليرفع المنافات بينهما باختلاف موردهما ومتعلقهما.
قلت القربة المانع اعتبارها من تعلق الإجارة هي المعتبرة في نفس متعلق الإجارة لا فيما اتحد خارجا مع متعلقها توضيح ذلك أن الصلاة الموجودة في الخارج على جهة النيابة فعل للنائب من حيث إنها نيابة عن الغير وبهذا الاعتبار ينقسم في حقه إلى المباح والراجح وفعل للمنوب عنه بعد نيابة النائب يعني تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه في هذه الأفعال وبهذا الاعتبار يترتب عليه الآثار الدنيوية والأخروية لفعل المنوب عنه الذي لم يشترط فيه المباشرة والإجارة تتعلق به بالاعتبار الأول والتقرب بالاعتبار الثاني فالموجود في ضمن الصلاة الخارجية فعلان نيابة صادرة عن الأجير النائب فيقال ناب عن فلان وفعل كأنه صادر عن المنوب