من عدم جواز اخذ الأجرة عليها لكن قولك وهو خلاف ما يظهر منهم الخ ممنوع لوجود الخلاف فيه في الجملة نعم هذا الايراد وارد على ما يذهب إلى عدم جواز اخذ الأجرة على الواجبات نظرا إلى منافاته لقصد القربة مع تجويزه اخذها على المستحبات بقول مطلق فان منافاته لقصد القربة لا يفرق فيها بين الواجب والمستحب فافهم.
واما الشرط الثالث فقد ذهب المحقق الثاني رحمه الله في جامع المقاصد إلى انتفائه في الواجبات الكفائية مطلقا مدعيا على عدم جواز اخذ الأجرة في الواجبات بقول مطلق اجماع الفرقة وتبعه في ذلك جمع من أفاضل المتأخرين منهم شيخنا الشيخ جعفر أعلى الله مقامه في شرحه على القواعد حيث قال في محكيه بعد ادعاء ثبوت المنافات الذاتية بين اخذ - الأجرة والوجوب بقول مطلق ما هذا لفظه لان المملوك والمستحق لا يملك ولا يستحق ثانيا ولان الإجارة لو تعلقت به كان للمستأجر سلطان عليه في الايجاد والعدم على نحو سلطان الملاك وكان له الابراء والإقالة والتأجيل وكان للأجير قدرة على التسليم وفي الواجب يمتنع ذلك وهو في العيني بالأصل والعارض واضح واما الكفائي فلانه بفعله يتعين له فلا يدخل في ملك اخر ولعدم نفع المستأجر فيما يملكه أو يستحقه غيره لأنه بمنزلة قوله استأجرتك لتملك منفعتك المملوكة لك أو لغيرك ولان الظاهر عدم الدخول في عمومات المعاملات في الكتاب والسنة فيبقى على أصل عدم الانتقال عن الحالة الأولى انتهى ما أردنا حكايته.
وقال في جامع المقاصد في شرح قول المصنف وهل يجوز على تعليم الفقه الخ ما هذا لفظه لا ريب ان الفقه قد يراد به المسائل المدونة في الكتب وقد يراد به الملكة التي يكون العلم معها بجميع المسائل بالقوة القريبة من الفعل وقد يراد به التصديقات وعلى كل حال فتعليم الفقه إن كان واجبا على المعلم أو المتعلم عينا أو كفاية لم يجز اخذ الأجرة عليه لان المعلم مأخوذ بالتعليم ومؤد به واجبا فيمتنع اخذ الأجرة عليه والمراد بكونه واجبا أعم من الوجوب العيني كاحكام الصلاة بالنسبة إلى المكلف بفعلها والكفائي كجميع الفقه ثم قال بعد نقل كلام - الفخر رحمه الله من التفصيل في الواجبات الكفائية بين ما أريد على وجه القربة فلا يجوز له اخذ الأجرة عليه وما لا أريد على وجه القربة فيجوز وفيه نظر فان الوجوب مطلقا مانع من جواز اخذ الأجرة كما سبق في كتاب البيع وهو صريح كلام المصنف وما ذكره من الجواز إذا لم يكن الواجب مشروطا بالنية مخالف لما عليه الأصحاب انتهى ما أردنا نقله.
وصريح كلامهما كما ترى كون المانع من اخذ الأجرة على مطلق الواجب كونه مستحقا من الله على الأجير وماخذوا به فلا يجوز اخذ الأجرة عليه لخروجه عن ملكه واختياره فلا سلطنة له في هذا الفعل حتى يأخذ عليه العوض فيكون اخذ العوض اكلا للمال بالباطل.
وتحقيق ذلك بتوضيح منا هو ان الفعل في الواجب الكفائي لما كان مطلوبا من الفاعل ولو على سبيل - الكفاية فايجاده في الخارج ايجاد لما وجب واستحق عليه فكلما تحقق هذا الفعل منه في الخارج فقد تحقق مملوكا لله عز وجل فلا يجوز ان يأخذ الأجرة عليه لاشتراط جواز اخذها بامكان دفع شئ بإزائها حتى يتحقق عنوان المعاوضة والمبادلة ليخرج اكلها به عن اكل المال بالباطل وبعبارة أخرى انما يجوز اخذ الأجرة على عمل محترم من العامل واما ما يجب عليه بذله فلا يجوز اخذ الأجرة عليه.
فان قلت: كيف تقول بخروج الفعل عن اختيار الفاعل وعدم تسلطه عليه والمفروض جواز تركه له شرعا والا لخرج عن كونه كفائيا وما نعني بالفعل المسلط عليه فاعله الا ما يجوز له تركه وفعله وكان زمامه بيده وهذا المعنى متحقق فيما نحن فيه أيضا فلا مانع من اخذ الأجرة عليه من هذه الجهة.