ثانيهما في تكليف الاخذ وهو القاضي.
إما الكلام في المقام الأول فملخصه انه لا اشكال في جواز اعطائه فيما إذا تعين عليه القضاء بان لا يوجد من يقوم به سواه سواء كان القاضي غنيا أو فقيرا لكون تكليفه صرف المال في مصالح المسلمين ومعلوم ان القضاء أيضا من مصالحهم لصيرورته سببا لاستنقاذ حقوقهم ودفع الظلم عنهم وكذا فيما لم يتعين عليه القضاء بل يقوم به كفاية فيما إذا لم يكن هناك متبرع بالقضاء سواء كان القاضي فقيرا أو غنيا.
انما الاشكال فيما إذا كان هناك متبرع بالقضاء فهل يجوز له اعطاء الرزق حينئذ أو لا وجهان مبنيان على أن بيت المال هل هو معد لتحصيل مصالح المسلمين فلا يجوز صرفه الا فيما إذا توقف تحصيل المصلحة على صرفه فيحرم بدونه أو معد لصرفه على من يقوم بمصالح المسلمين وإن لم يتوقف تحصيل المصلحة بقيامه أوجههما الثاني نظرا إلى كون تحصيل المصلحة حكمة لجعل بيت المال لا علة يدور الحكم مداره ثم إنه على تقدير اختيار الأول كما يظهر من بعض مشايخنا فهل يقتصر فيه على صورة العلم بوجود المتبرع فيجوز الاعطاء في غيرها على غير المتبرع وان احتمل وجود المتبرع بعد الفحص أو لا يجوز الاعطاء الا بعد الفحص في طلبه والياس عن وجوده وجهان أظهرهما بالنظر إلى ما ذكر من العلة وهي صرفه فيما يتوقف تحصيل المصلحة عليه وعدم الجواز في غيره هو الثاني هذا كله في تكليف الوالي.
واما تكليف القاضي فالظاهر جواز ارتزاقه مع الفقر مطلقا سواء تعين عليه القضاء أم لا نظرا إلى كونه من القائمين بمصالح المسلمين كالمترجم والمؤذن وصاحب الديوان ومن يكيل للناس ويزن (يوزن خ) ويعلم القرآن وأمثالهم ممن يكون قائما بمصالح المسلمين وبيت المال قد أعد للصرف في مصالحهم هذا مضافا إلى أن حكم الشارع في تلك الصورة بعدم الجواز مستلزم للضيق والحرج المنفيين في الشريعة بل لا يبعد ان يقال إن حكمه بعدم الجواز في تلك الصورة مخالف للطف من حيث كونه موقعا للمكلف في معصية الواقع غالبا فيجب على الحكيم من باب اللطف الترخيص في الارتزاق حتى لا يقع في المعصية هذا مع ما في المكاتبة المشهورة من أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الأشتر من امره بتوسيع الرزق للقضاة.
واما مع الغناء فهل يجوز ارتزاقه مطلقا أو لا يجوز كذلك أو لا يجوز فيما يتعين عليه ويجوز فيما لا يتعين وجوه بل أقوال المشهور كما في المسالك عدم الجواز مطلقا لأنه يؤدي فرضا وفيه أنه لا تنافي بين الارتزاق وأداء الفرض والا لما جاز في صورة الفقر الا ان يقال في قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في مكاتبته لمالك الأشتر بالتوسعة على القضاة وبذل ما يزيح علتهم وتقل معه حاجتهم دلالة على جواز الاعطاء للوالي والارتزاق للقاضي فيما لو كان فقيرا فيخرج به عن الدليل المذكور فتأمل أو يقال بخروجه مع قطع النظر عن المكاتبة نظرا إلى ما ذكرنا من الدليلين على الجواز في تلك الصورة فتأمل وكيف كان فلا ريب في أفضلية ترك الارتزاق فيما لو كان له كفاية هذا الذي ذكرنا كله فيما لم يكن ارتزاقه عوضا عن القضاء بل من حيث كونه قائما بمصالح المسلمين وكون بيت المال معدا للصرف فيها.
واما لو أراد به العوضية عن القضاء أو قيل بعدم انفكاك الارتزاق عن عنوان العوضية مطلقا ففي جوازه مطلقا أو عدمه كذلك أو الجواز فيما لم يتعين عليه وعدمه فيما لو تعين عليه وجوه بل أقوال مبنية على ما ذكروه في باب التكسب بالواجبات ثم إن هذا الذي ذكرنا من ابتناء المسألة على الأقوال في اخذ العوض على الواجبات انما هو مع قطع النظر عما ورد في خصوص القضاء والا فيمكن ان يقال بملاحظته على عدم جواز الارتزاق وان قلنا بجواز اخذ