والحاصل انه لا بد في المعاوضات من كون كل من العوضين مملوكا لمالكه حتى يصح جعله عوضا عن الأخر والا لم يتحقق مفهوم المعاوضة والمبادلة كما لا يخفى فما لا يكون العوض فيه مملوكا للمالك بل مستحقا عليه من غيره لا يجوز اخذ الأجرة عليه لاستلزامه اكل المال بالباطل فإن شئت أرجعت كلا من الشرطين الأخيرين إلى الأول لان مرجع كل منهما إلى عدم وصول نفع إلى باذل المال بإزاء ما بذله فيكون المعاملة سفهية فمرجع الشروط الثلاثة إلى اشتراط عدم كون المعاوضة سفهية.
إذا عرفت أنه لا بد في صحة اخذ الأجرة على الواجبات من احراز شروط ثلاثة مضافا إلى احراز ما يعتبر في مطلق المعاوضات فالمانع يدعي اختلال واحد من الشروط الثلاثة على سبيل منع الخلو والمجوز يدعى اجتماعها وعدم اختلال واحد منها فهل الحق اجتماع الشروط في الواجبات بقول مطلق أو عدم اجتماعها بقول مطلق أو فيه تفصيل بين الكفائية والعينية وجوه بل أقوال فالكلام في مقامين أحدهما بالنسبة إلى الواجبات الكفائية تعبدية كانت أو توصلية ثانيهما بالنسبة إلى الواجبات العينية كذلك.
فنقول إما الشرط الأول فالظاهر تحققه في الواجبات الكفائية مطلقا تعبدية كانت أو توصلية لعود النفع فيها إلى غير الفاعل أيضا لعمومية مطلوبيتها بالنسبة إلى الجميع واسقاطها (سقوطها خ) بفعل البعض فبذل العوض عليها من حيث كونها مسقطة عن الباذل أيضا ليس بذلا سفهيا وإن كان بذل العوض عليها من حيث وجوبها على الأجير بذلا سفهيا حيث إنها بتلك الملاحظة لا تنفع للباذل أصلا الا انها لا تنفك عن عنوان يعود إلى الباذل أيضا فبهذا اللحاظ يجوز بذل العوض بإزائها واخذه عن الباذل.
فان قلت إن الآتي بالواجبات الكفائية إذا اتى بها يسقط العقاب والوجوب عن الجميع قهرا فالأثر المقصود من فعله للباذل يترتب عليه قهرا فكيف يجوز بذل المال بإزائه للباذل واخذه للفاعل.
قلت الأثر المقصود من فعله وان ترتب عليه بعد الايجاد قهرا الا انه ليس الفاعل مقهورا على الفعل فله أن لا يوجده من دون اخذ العوض حتى يترتب عليه الأثر القهري فيتسبب الباذل بالبذل لفعله المترتب عليه الأثر المقصود فالمجاهد لا يقدم على الجهاد فيما كان كفائيا الا بأخذ الأجرة عليه من المستأجر نعم لا يكون للأجير حينئذ الا العوض الذي اخذه من المستأجر واما الثواب عليه فإنما هو للباذل باعتبار تسببه وإن كان العقاب بعد فعله عنه يسقط عنهما جميعا الا ان الثواب مختص بالمستاجر ومن هنا ينقدح جواب اخر لهذا الايراد وهو ان اسقاط العقاب وإن كان من اللوازم القهرية لفعل الواجب بالنسبة إلى الجميع الا ان الثواب عليه مختص بالفاعل لا يتعداه إلى غيره فالمستأجر يبذل المال لتحصيل هذا الثواب بالتسبب.
واما الشرط الثاني فالحق عدم تحققه بالنسبة إلى التعبدي من الكفائي حسبما عرفت تفصيلا من منافاة اخذ الأجرة لقصد التقرب المعتبر في الواجبات التعبدية واما التوصلي منه فلا شئ يقضي بمنافات اخذ الأجرة عليه من هذه الجهة.
فان قلت إن ما ذكرت من قضية المنافات بين قصد التقرب واخذ الأجرة يجري بعينه في المستحبات الكفائية التعبدية أيضا فبناء عليه لا بد من أن نلتزم بعدم جواز اخذ الأجرة عليها أيضا وهو خلاف ما يظهر منهم من ثبوت الاتفاق على جواز اخذ الأجرة عليها ودعوى خروجها بالاجماع فاسدة جدا لكون المنافات بينهما حسبما يقتضيه الاستدلال المذكور عقلية ومن المعلوم عدم تطرق التخصيص إلى القضايا العقلية.
قلت نسلم ثبوت المنافات بين الامرين في المستحبات المذكورة أيضا ونقول فيها بما قلنا في الواجبات