وذكر (1) أن بعض الشيعة يزعم أن المعتزلة أخذوا عنهم وإن واصل بن عطاء رأس المعتزلة تتلمذ لجعفر الصادق قال وإنا أرجح أن الشيعة هم الذين أخذوا عن المعتزلة تعاليمهم وزيد الذي تنسب إليه الزيدية تتلمذ لواصل وكان جعفر يتصل بعمه زيد وفي مقاتل الطالبيين أن جعفرا كان يمسك بركاب زيد فإذا صح ما ذكره الشهرستاني وغيره من تتلمذ زيد لواصل فلا يعقل كثيرا أن يتتلمذ واصل لجعفر وكثير من المعتزلة كان يتشيع فالظاهر أنه عن طريق هؤلاء تسربت أصول المعتزلة إلى الشيعة.
ونقول: الشيعة لم يأخذوا عن المعتزلة لا سابقا ولا لاحقا وردود ابن قبة والمرتضى وغيرهما ممن تقدم وتأخر على المعتزلة لا تحصى ومناظرة هشام بن الحكم لهم ورده عليهم معروفة والشيعة ما أخذوا إلا عن أئمتهم وعما أرشدهم إليه العلم الصحيح المستفاد من النقل والعقل في المسائل المشهورة الخلافية بينهم وبين الأشاعرة. وأئمتهم لم يكونوا بحاجة إلى الأخذ عن أحد مثل واصل وغيره بما تداولوه من علم جدهم الرسول ص سواء أ صح تتلمذ زيد لواصل أم لم يصح كما هو الظاهر وسواء أ صح تتلمذ واصل لجعفر الصادق أم لم يصح. وإمساك جعفر بركاب عمه زيد إن صح فليس إلا مجرد احترام وإلا فليس لزيد درجة جعفر. وتشيع كثير من المعتزلة كان بقولهم بالتفضيل فقط فكانوا مع ذلك أقرب إلى التسنن منهم إلى التشيع وكان المعتزلة غير مرضيين لا عند الشيعة ولا عند السنيين لمخالفتهم كلا الطائفتين في بعض العقائد وإن وافقوا إحداهما في بعض والأخرى في بعض وبذلك يبطل تسرب أصول المعتزلة إلى الشيعة من هذا الطريق.
وقال (2) عن هشام بن الحكم: يظهر أنه كان يميل إلى الجبر كما كان يميل إلى التجسيم.
ونقول: ميله إلى الجبر غير صحيح كميله إلى التجسيم فهو تلميذ الإمام جعفر الصادق الذي بين مذهبه ومذهب الجبر والتجسيم أبعد مما بين السماء والأرض وقد بينا في مقام آخر فساد نسبة التجسيم إليه.
وقال (3): بعد قتل علي ظل العراق وخاصة الكوفة شيعي النزعة. وظلت حركات الغلو في التشيع تنبع منه كحركة عبد الله بن سبأ والمختار الثقفي.
ونقول: أولا العراق لم يكن كله شيعي النزعة فالبصرة وهي تضاهي الكوفة كان جل أهلها عثمانية كما يدل عليه خروج أهل الجمل إليها وواقعة ابن الحضرمي الذي أرسله إليها معاوية، نعم الكوفة كان يغلب على أهلها التشيع بعد اتخاذ علي لها عاصمة خلافته لأن التشيع قريب إلى النفوس ما لم يصد عنه صاد.
ثانيا شيعة الكوفة كانوا يعدون بمئات الألوف ولم يكن فيهم غلو في التشيع فإذا صح أنه وجد بينهم رجل واحد أصله يهودي حجازي وأسلم ثم خرج عن الإسلام وادعى في علي ما ادعت النصارى في المسيح وتبعه أفراد قتلهم علي في حياته لا يصح لنا أن نقول أن حركات الغلو في التشيع تنبع من العراق فأين هي هذه الحركات وهذه الينابيع.
ثالثا الشيعة صارت في العرف اسما لفرقة خاصة من المسلمين تتولى عليا وأهل بيته وتتبعهم وهي تبرأ من كل من غلا فيهم وتعده خارجا عن الاسلام وعن التشيع الذي هو فرع الاسلام فعد مقالة ابن سبا غلوا في التشيع غير لائق ولا مناسب كما لا يناسب عد دعوى الآلهية في محمد ص غلوا في الاسلام.
أما المختار الثقفي فكان طالب ملك لا غاليا في التشيع وقيضه الله تعالى للأخذ بثار الحسين ع فاستعان بالشيعة على ذلك.
وقال (4): وانضم إلى حركة التشيع كثير من الموالي وخاصة موالي الفرس لما بينا قبل من أسباب فكانت فارس ولا سيما خراسان أميل إلى التشيع كالعراق.
ونقول: حركة التشيع كان يميل إليها الموالي والسادات من العرب والفرس والترك والبربر وسائر أمم الاسلام إلا من غرست في قلبه العداوة للعلويين بعامل الحسد أو تذكر الثارات. وما بينه من الأسباب قد بينا أنه ليس بصواب وأهل خراسان كان تشيعهم لبني العباس مع داعيتهم أبي مسلم الخراساني ولم يسمع أنهم تشيعوا للعلويين والذي تشيع للعلويين هو أبو سلمة الخلال الكوفي العربي فقتله بنو العباس على يد أبي مسلم.
وقال (5): تستر الشيعة وأخذوا يعملون في الخفاء واصطنعوا مبدأ التقية.
ونقول: مبدأ التقية طبيعي في جميع العقلاء بل في كل ما يدب على الأرض لم تصطنعه الشيعة وحدها فمؤمن آل فرعون كان يكتم إيمانه تقية وأخت موسى ع بصرت به عن جنب وهم لا يشعرون تقية وبعض الصحابة أظهر كلمة الكفر أمام مشركي قريش لما أكرهوه تقية، وهو نفسه إذا خاف اصطنع مبدأ التقية. على أن الشيعة في العصر الأموي كانوا أقل تقية منهم في العصر العباسي كما يظهر من حال حجر بن عدي وأصحابه وغيرهم.
وقال (6): عبد الله بن عباس ناصر عليا أولا ثم تحول إلى معاوية وسالم الأمويين وإن كرههم في أعماق نفسه.
ونقول: ابن عباس لم يتحول إلى معاوية إلا بعد قتل علي وصلح الحسن ع ومفارقته عليا في حياته لم تصح وإن صحت فهو لم يتحول إلى معاوية يومئذ ولم يزل مناصرا لعلي طول حياته إلا ما اقتضته الضرورة في الوفادة على معاوية بعد قتل علي، وكتابه إلى يزيد بعد قتل الحسين معروف مشهور.
قال (7): سال المأمون علي بن موسى الرضا بم تدعون هذا الأمر قال: بقرابة علي من النبي ص وبقرابة فاطمة فقال المأمون في خلف رسول الله ص من أهل بيته من هو أقرب إليه من علي ومن هو في القرابة مثله. وإن كان بقرابة فاطمة فالحق بعدها للحسنين فيكون علي قد ابتزهما فما أحار علي بن موسى نطقا اه ملخصا.