قال ابن كثير الشامي في تاريخه: كان مذهب الرفض فيها في أيام سلطنة الأمير سيف الدولة بن حمدان رائجا رواجا تاما اه وفي نهر الذهب لبعض المعاصرين أن الشيعة على عهد سيف الدولة كانوا مفضلين فقط اه وقال ابن بطلان الطبيب في رسالة له كتبها إلى هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابي إلى بغداد يذكر فيها ما رآه في سفره أوردها ابن القطفي في تاريخ الحكماء وأورد بعضها ياقوت في معجم البلدان قال ابن بطلان عند ذكر وصوله إلى حلب ما لفظه: والفقهاء فيها يفتون على مذهب الإمامية اه قال ياقوت: وذلك نحو سنة 440 في دولة بني مرداس اه وذكر ابن كثير الشامي في تاريخه في حوادث 507 أنه لما فرع بال صلاح الدين الأيوبي من مهمات ولاية مصر توجه نحو بلاد الشام ثم جاء إلى حلب ونزل في ظاهرها فاضطرب والي حلب وطلب أهلها إلى ميدان باب العراق وأظهر لهم المحبة واللين وبكى كثيرا ورغبهم في قتال صلاح الدين وتعهد لهم بكل ما يلزم وشرط الروافض عليه شروطا وهي إعادة الآذان بحي على خير العمل وأن يقولوها في مساجدهم وأسواقهم وأن يكون لهم جامع الجانب الشرقي الذي هو الجامع الأعظم وأن ينادوا بأسماء الأئمة الاثني عشر أمام الجنائز ويكبروا على الجنازة خمس تكبيرات وأن يكون أمر عقودهم وأنكحتهم مفوضا إلى الشريفين أبي الطاهر وأبي المكارم حمزة بن زهرة الحسيني اللذين هما مقتدى شيعة حلب فقبل الوالي جميع ذلك وأذنوا في تمام البلد بحي على خير العمل اه.
وقال المعاصر في نهر الذهب: لم يزل الشيعة بعد عهد سيف الدولة في تصلبهم حتى حل عصبتهم وأبطل أعمالهم نور الدين الشهيد 543 ومن ذلك الوقت ضعف أمرهم غير أنهم ما برحوا يجاهرون بمعتقداتهم إلى حدود 600 فاخفوها، ثم ذكر أن مصطفى بن يحيى بن قاسم الحلبي الشهير بطه زاده فتك بهم في حدود الألف فاخفوا أمرهم، وذكر بعض ما كان يفعله الحلبيون مع الشيعة من الأعمال الوحشية والمخازي والقبائح التي سودت وجه الإنسانية ويخجل القلم من نقلها، وقد كان في الحجة والبرهان لو كان ما يغني عن الأذى والأضرار والأعمال الوحشية. وفي مجالس المؤمنين: أهل حلب كانوا في الأصل شيعة وإلى أواخر زمان الخلفاء العباسية كانوا على مذهب الإمامية، والظاهر أنه في زمان انتقال تلك الولاية إلى حكم السلاطين العثمانية أجبروا على ترك مذهبهم اه وما مر من فعل طه زاده يؤيد ذلك فان استيلاء العثمانيين على حلب كان في أوائل المائة العاشرة. وبالجملة سبب انقراض الشيعة من حلب هو ظلم الملوك وجورهم وتعصب العامة وابتداؤه أوائل القرن السادس وشدته في القرن السابع وتناهيه في أوائل القرن العاشر، ولكن العادة قاضية أنه لا بد أن يكون بقي فيها جماعات من الشيعة تحت ستر الخوف والتقية فاما أنهم بقوا على تشيعهم حتى اليوم مستترين أو أخرجهم عن التشيع تعاقب السنين، وفي نهر الذهب: أنه لم يزل يوجد في حلب عدة بيوت معلومة يقذفهم بعض الناس بالرفض والتشيع ويتحامون الزواج معهم مع أن ظاهرهم على كمال الاستقامة وموافقة أهل السنة اه فانظر واعجب ، وينسب إلى حلب من رواة الشيعة الأقدمين آل أبي شعبة في أواسط المائة الثانية وهم: عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي واخوته محمد وعمران وعبد الأعلى وأبوه علي بن أبي شعبة وعمه عمر بن أبي شعبة الحلبي وابن أخيه أحمد بن عمران بن علي بن أبي شعبة وهم بيت مذكور في الشيعة وكان عبيد الله كبيرهم ووجههم صنف كتابا فيما رواه عن أئمة أهل البيت مشهور وهو أول ما صنفه الشيعة. وكانوا من أهل الكوفة يتجرون إلى حلب فنسبوا إليها. وخرج من حلب عدة من علماء الشيعة وفقهائهم يأتي ذكرهم انش كل في بابه، ومنهم الشيخ كردي بن عكبري بن كردي الفارسي الفقيه الثقة الصالح كان يقول بوجوب الاجتهاد عينا وعدم جواز التقليد قرأ على الشيخ الطوسي وبينهما مكاتبات وسؤالات وجوابات. وكان في حلب سادات آل زهرة كانوا نقباء وخرج منهم جملة من العلماء منهم السيد أبو المكارم حمزة صاحب الغنية وقبره بسفح جبل الجوشن إلى اليوم، وذرية بني زهرة الآن يوجدون في الفوعة من قرى حلب وهم أهل جلالة ومكانة لكنهم ليسوا باهل علم، وعندهم كتاب نسب عظيم جليل قديم عليه خطوط نقباء حلب وعلمائها وكانت لهم أوقاف جليلة في حلب مغتصبة منهم ويوجد في جهات حلب عدة قرى أهلها شيعة من قديم الزمان إلى اليوم وهي: الفوعة. نبل. النغاولة. كفريا. وبعض معرة مصرين وهم أهل المحلة القبلية.
الحلة السيفية أو المزيدية وتسمى الحلة الفيحاء والسيفية نسبة إلى الأمير سيف الدولة صدقة بن دبيس المزيدي الذي بناها والمزيدية نسبة إلى بني مزيد قبيلته وموقعها بين بغداد والكوفة ولها جانبان والفرات بينهما وكان سيف الدولة هذا من الشيعة وتأتي ترجمته انش في بابها وتشيع أهل الحلة مشهور معروف من قديم الزمان وكانت دار العلم للشيعة في القرن الخامس وما بعده وإليها الهجرة وخرج منها جماعة من أجلاء علماء الشيعة وفقهائهم وأدبائهم تأتي تراجمهم في محالها انش ثم انتقل الدرس منها إلى كربلاء والنجف في الأعصار الأخيرة ثم انحصر في النجف وكانت النجف دار العلم قبل الحلة، وبغداد قبل النجف وكانت الحلة متصرفية في دولة العثمانيين ثم جعلت قائم مقامية ونقلت المتصرفية إلى الناصرية في عهدهم.
قال ياقوت الحلة بالكسر ثم التشديد وهو في اللغة القوم النزول وفيهم كثرة والحلة علم لعدة مواضع أشهرها حلة بني مزيد مدينة كبيرة بين الكوفة وبغداد كانت تسمى الجامعين أول من عمرها ونزلها سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي وكانت منازل آبائه الدور من النيل فلما قوي أمره واشتد أزره وكثرت أمواله لاشتغال الملوك السلجوقية بالحروب بينهم انتقل إلى الجامعين موضع في غربي الفرات ليبعد عن الطالب وذلك في المحرم سنة 495 وكانت أجمة تأوي إليها السباع فنزل بها باهله وعساكره وبنى بها المنازل الجليلة والدور الفاخرة وكذلك أصحابه فصارت ملجأ وقصدها التجار فصارت أفخر بلاد العراق وأحسنها مدة حياته فلما قتل بقيت على عمارتها فهي اليوم قصبة تلك الكورة وقال ابن الأثير: في سنة 495 بنى سيف الدولة صدقة بن مزيد الحلة بالجامعين وسكنها وإنما كان يسكن هو وآباؤه قبله في البيوت العربية اه وكان قد شق جدول صغير من الفرات من عند بلد المسيب إلى الكوفة ليسقي أهل النجف إذ لا ماء لهم شروب وكان أغنياؤهم يجلبون الماء من الكفل وفقراؤهم يشربون ماء الآبار المالح وذلك بنفقة امرأة من الشيعة هندية مثرية فنسب النهر إليها فقيل نهر الهندية وكان أوله ما يدير الرحى فما زال يكبر لرخاوة الأرض حتى صار بقدر النهر الذي يذهب إلى الحلة وصار يقال له شط الهندية وللآخر شط الحلة وقسم شط الهندية إلى أقسام أحدها يمر بالكوفة والباقي يسقي مزارع وأراضي كثيرة كلها عرف بالهندية وحدثت عليه قرى وبلدان كثيرة مثل طويريج وغيرها ثم جعل شط الهندية يزيد وشط الحلة ينقص حتى كاد يتحول الفرات كله إلى شط الهندية وجعل شط