ولدت معه، كالنحو والصرف وغيرهما، فبينما لزمت أمثال هذه العلوم سمة الجمود والتحجر، نجد علم الفقه بديعا في مسالكه، قشيبا في أدلته، وما من يوم يمضي إلا ويزداد حداثة وغضارة، وذلك بفتح باب الاجتهاد والاستنباط عندنا.
هذا، وترتكز عملية الاستنباط من الكتاب والسنة على مقدمات عديدة وكثيرة، كعلم الأصول والرجال والمنطق واللغة... حيث يقوم كل منها بدوره في الاستنباط، إلا أن لعلم الأصول عنصر الصدارة من بينها، بل لولاه لما تمكن الفقيه من الاستدلال، ولهذا أولاه علماؤنا عناية فائقة من بين سائر المقدمات الدخيلة في الاستنباط، باذلين في تحقيقه جهود أخلاقة وأوقات شريفة.
وقد تمخضت هذه الجهود عن علم يفوق جميع العلوم العقلية والنقلية في شموليته واستيعابه، وصلابته واستحكامه، وعذوبته واسترساله، وتوسع توسعا كبيرا على يد المبتكرين والمفكرين من علمائه الذين أفردوا له دوائر عديدة وموسوعات كبيرة.
ومن جانب آخر فقد بعدت أفكاره عن المنال، وعزت عرائس أفكاره على عقول الرجال، نتيجة لممارسة العباقرة لهذا العلم ومدارستهم له، فكان من الطبيعي أن يظهر على الجانب المعاكس تياران:
أحدهما: يهدف إلى تقليص هذا العلم وتلخيصه، وحذف زوائده وفضوله، ويعد المحقق صاحب " الكفاية " (رحمه الله) المؤسس لهذا التيار. إلا أنه - وللأسف - راح الوضوح والبيان ضحية التلخيص، وتعقدت " الكفاية " وصعب فهمها، ونشأ عن هذا الكثير من الشروح والحواشي التي لا تعبر إلا عن رأي مؤلفيها في غالب الأحيان، والتي يقرنها أربابها بقولهم: " لعل مراده (قدس سره) كذا " أو " يحتمل كذا " ولو علم المحقق الخراساني (رحمه الله) بالسلسلة الطويلة من الشروح التي أحدثتها