أما الأول: فلأنه من الواضح عدم كون كثير من المقدمات بل جميعها مبعوثا إليها بمجرد البعث إلى ذي المقدمة.
وأما الثاني: فلأنه لا معنى - بناء عليه - للقول بالملازمة، إذ لا يعقل تحقق الملازمة الفعلية بين المتلازمين اللذين أحدهما موجود بالفعل والآخر موجود بالتقدير بمعنى أنه لم يوجد بعد وسيوجد في الاستقبال، إذ الملازمة من قبيل الأبوة والبنوة، فكما أنه لا يعقل تحقق الأبوة للشخص الذي يصير ذا ولد في الاستقبال للتضايف الحاصل بينها وبين البنوة، ومن شأن المتضايفين عدم إمكان الانفكاك بينهما في الوجود الخارجي بل الوجود الذهني، كذلك تحقق الملازمة الفعلية وثبوتها بين الشيئين متوقف على تحققهما في الخارج وثبوتهما بالفعل، وهذا واضح جدا.
وأما الثالث: فلأنه كثيرا ما يكون جميع المقدمات أو بعضها مغفولا عنها، وحينئذ فلا يمكن تعلق الإرادة بالبعث إليها، إذ لا يعقل أن يكون المراد مغفولا عنه.
وقد عرفت بما مهدناه لك: أن الإرادة المتعلقة بالمقدمات إنما تتحقق بفعالية النفس، وليست مترشحة وموجدة بالإرادة المتعلقة بذي المقدمة، فراجع، وحينئذ فلا يعقل أن يكون الشئ متصفا بأنه مراد مع كونه مغفولا عنه بالنسبة إلى المريد، كيف ومن مقدمات الإرادة تصور الشئ والتصديق بفائدته والاشتياق إليه، ولا يمكن اجتماع هذه مع الغفلة أصلا، كما هو واضح لا يخفى.
وأما الرابع: فلما ذكر في الاحتمال الثاني من أنه يستحيل تحقق الملازمة بين الموجود بالفعل والموجود بالتقدير.
فانقدح بما ذكرنا: أن جعل النزاع في الملازمة بالوجوه المذكورة مما لاوجه له، إذ لا يمكن أن يكون ذلك محل النزاع، كما عرفت.