إذا عرفت ما ذكرنا، فنقول: إذا أراد الفاعل بناء مسجد مثلا، فلا إشكال في أنه يتصوره وما يترتب عليه من الفوائد ثم يشتاق إليه ثم يريده، وربما لا يتوجه إلى أجزاء المسجد في مقام تعلق الإرادة ببنائه أصلا، بل تكون كلها مغفولا عنها.
ثم إذا شرع في العمل ورأى أن تحقق المسجد يتوقف على أمور متعددة، فلا محالة يريد كل واحد منها، لتوقف حصول الغرض الأقصى عليه.
غاية الأمر أن الإرادة المتعلقة بها ليست لأجل نفسها، بل لحصول غيرها، لا أن تكون تلك الإرادة مترشحة عن الإرادة المتعلقة ببناء المسجد ومسببة عنها، كما عرفت في صدر المبحث، وقد حقق في محله أن تعين الإرادة وتشخصها إنما هو أبا لمراد بمعنى أنه لا يمكن تحققها بدون المراد، كما يشهد به الوجدان، ويدل عليه البرهان (1). وكذلك لا يمكن تعلق إرادة واحدة بمرادات متعددة، بل كل مراد يحتاج إلى إرادة مستقلة، وحينئذ فالإرادة المتعلقة ببناء المسجد ليست هي الإرادة المتعلقة بالمقدمات، وإلا لزم تعدد المراد مع إرادة واحدة.
وبالجملة: فالمسجد عنوان واحد قد تتعلق به الإرادة لما يترتب عليه من الفوائد، وفي هذه الإرادة لا مدخلية للأجزاء أصلا بمعنى أنه لو سئل المريد عن الاشتياق أبا لمقدمات لأجاب بنفيه، وعدم كونها مرادة أصلا، ثم بعد علمه بتوقفه عليها يريدها بالإرادة الغيرية، إذ من المعلوم أن كل واحد من المقدمات يغاير المراد الأولي، فكما أن كل واحد من المقدمات الخارجية يصير مرادة بالإرادة الغيرية فكذلك المقدمات الداخلية بلا فرق بينهما أصلا.