العمومات الواقعة في القوانين التي يجعلها العقلاء لنظام أمورهم على ما هو المتداول بينهم، فإن جعل القانون يقتضي أن يجعل في الأول أمرا كليا ثم بيان المخصصات والمستثنيات في الفصول المتأخرة والقوانين الموضوعة في الشريعة إنما هي على هذا المنوال، ولم تكن مجعولة على غير النهج المتعارف بين العقلاء المقننين للقوانين الدنيوية التي يكون المقصود بها انتظام أمورهم، وهذا بخلاف العمومات الواقعة في ألسنة أهل المحاورات التي لو كان المقصود بها غير ما هو ظاهرها لاتصل به ما يدل على ذلك نوعا، ولم يكن دأبهم بيان العموم ثم ذكر المخصص لو كان مخصصا في البين، فأصالة العموم في هذا النحو من العمومات متبعة مطلقا، بخلاف ما كان من قبيل الأول، فإن جريانها فيه مشروط بالفحص واليأس عن الظفر بالخاص.
ومن هنا يظهر: أن الفحص هنا أيضا يكون عما لا حجية للعام بدون الفحص عنه نظيره في الأصول العملية التي لم تكن حجة قبل الفحص أصلا، لما عرفت من أن جريانها مشروط بالفحص فقبله لا يكون هنا حجة أصلا، لتوقف الحجية على إحراز كون مدلول الكلام مرادا جديا للمولى، وهذا المعنى إنما يثبت بعد جريان أصالة العموم التي تكون مشروطة بالفحص، فعدم جريانها قبله يوجب عدم حجية العام.
فظهر أن العام قبل الفحص عن المخصص لا يكون حجة أصلا، كما أن الأصول العملية أيضا كذلك.
فانقدح بذلك: فساد ما في الكفاية (1) من الفرق بين الفحص في المقامين بأن الفحص هنا عما يزاحم الحجية، بخلافه هناك، فإنه بدونه لا حجة.