من جعلهما، اجتماع المصلحة والمفسدة والإرادة والكراهة في متعلق واحد ولا يلزم التكليف بما لا يطاق، كوجوب صلاة الفريضة، ووجوب إزالة النجاسة عن المسجد، فلا يكون هناك مانع من جعلهما معا.
وبعبارة أخرى - إذا لم يكن بين الحكمين تناف في مقام الجعل والتشريع، بل كان بينهما كمال الملائمة وانما نشأ التنافي في مقام فعلية كليهما وتحقق موضوعهما خارجا اتفاقا فهو باب التزاحم، فالملاك للدخول في باب التزاحم هو ان يكون التضاد بين المتعلقين اتفاقيا وكان منشأه عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في مرحلة الامتثال اتفاقا بعد ما كان قادرا على الاتيان بكل واحد من الفعلين في نفسه مع قطع النظر عن الاخر ولم يقدر على الجمع بينهما صدفة.
فالمتحصل، ان المنشأ الأساسي لوقوع التزاحم بين الحكمين جعل الشارع كلا الحكمين في عرض واحد، ولازمه اقتضاء كل منهما لامتثاله في عرض اقتضاء الاخر له، وعدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في مرحلة الامتثال اتفاقا، فإذا تحقق هذان الأمران تحققت المزاحمة بينهما، وإذا انتفى أحد الامرين لا مزاحمة أصلا.
ثم إن للمحقق النائيني (ره) كلا ما في المقام وهو ان التزاحم قد ينشأ من شئ آخر لا من عدم قدرة المكلف، ومثل له بما إذا صار المكلف واجدا للنصاب الخامس من الإبل الذي يجب فيه خمس شياه ثم بعد انقضاء ستة أشهر مثلا ملك ناقة أخرى، فحصل النصاب السادس، الذي يجب فيه بنت مخاض. فان المكلف وان كان قادرا على دفع خمس شياه بعد انقضاء ستة أشهر من ملكه للنصاب الخامس، وعلى دفع بنت مخاض بعد مضى حول النصاب السادس، الا ان قيام الدليل على أن المال الواحد لا يزكى في عام واحد مرتين، أوجب التزاحم بين الحكمين.
ولكن يرد عليه ان قيام الدليل المذكور، يوجب العلم بتقييد، ما دل على وجوب خمس شياه على من ملك النصاب الخامس، ومضى عليه الحول، أو ما دل على وجوب بنت مخاض على من ملك النصاب السادس ومضى عليه الحول فيقع التعارض بين اطلاقي الدليلين ولا ربط لذلك بباب التزاحم، وكانه تخيل اختصاص باب التعارض