خمسون ألف سنة، وعلى المؤمنين مقدار ما بين الظهر والعصر، وقيل ذكر هذا المقدار لمجرد التمثيل والتخييل لغاية ارتفاع تلك المعارج وبعد مداها، أو لطول يوم القيامة باعتبار ما فيه من الشدائد والمكاره كما تصف العرب أيام الشدة بالطول وأيام الفرح بالقصر، ويشبهون اليوم القصير بابهام القطاة، والطويل بظل الرمح، ومنه قول الشاعر: ويوم كظل الرمح قصر طوله * دم الزق عنا واصطفاف المزاهر وقيل في الكلام تقديم وتأخير: أي ليس له دافع من الله ذي المعارج في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة تعرج الملائكة والروح إليه، وقد قدمنا الجمع بين هذه الآية وبين قوله في سورة السجدة - في يوم كان مقداره ألف سنة - فارجع إليه. وقد قيل في الجمع إن من أسفل العالم إلى العرش خمسين ألف سنة، ومن أعلى سماء الدنيا إلى الأرض ألف سنة، لأن غلظ كل سماء خمسمائة عام، وما بين أسفل السماء إلى قرار الأرض خمسمائة عام، فالمعنى: أن الملائكة إذا عرجت من أسفل العالم إلى العرش كان مسافة ذلك خمسين ألف سنة، وإن عرجوا من هذه الأرض التي نحن فيها إلى باطن هذه السماء التي هي سماء الدنيا كان مسافة ذلك ألف سنة، وسيأتي في آخر البحث ما يؤيد هذا عن ابن عباس. ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر فقال (فاصبر صبرا جميلا) أي اصبر يا محمد على تكذيبهم لك وكفرهم بما جئت به صبرا جميلا لا جزع فيه ولا شكوى إلى غير الله، وهذا معنى الصبر الجميل، وقيل هو أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يدري بأنه مصاب. قال ابن زيد وغيره: هي منسوخة بآية السيف (إنهم يرونه بعيدا) أي يرون العذاب الواقع بهم، أو يرون يوم القيامة بعيدا:
أي غير كائن لأنهم لا يؤمنون به، فمعنى " بعيدا " أي مستبعدا محالا، وليس المراد أنهم يرونه بعيدا غير قريب.
قال الأعمش: يرون البعث بعيدا لأنهم لا يؤمنون به كأنهم يستبعدونه على جهة الاستحالة كما تقول لمن تناظره هذا بعيد: أي لا يكون (ونراه قريبا) أي نعلمه كائنا قريبا، لأن ما هو آت قريب. وقيل المعنى: ونراه هينا في قدرتنا غير متعسر ولا متعذر، والجملة تعليل للأمر بالصبر. ثم أخبر سبحانه متى يقع بهم العذاب فقال (يوم تكون السماء كالمهل) والظرف متعلق بمضمر دل عليه واقع، أو بدل من قوله (في يوم) على تقدير تعلقه بواقع، أو متعلق بقريبا، أو مقدر بعده: أي يوم تكون الخ كان كيت وكيت، أو بدل من الضمير في نراه والأول أولى. والتقدير يقع بهم العذاب (يوم تكون السماء كالمهل) والمهل: ما أذيب من النحاس والرصاص والفضة، وقال مجاهد: هو القيح من الصديد والدم. وقال عكرمة وغيره: هو دردي الزيت، وقد تقدم تفسيره في سورة الكهف والدخان (وتكون الجبال كالعهن) أي كالصوف المصبوغ، ولا يقال للصوف عهن إلا إذا كان مصبوغا. قال الحسن: تكون الجبال كالعهن، وهو الصوف الأحمر، وهو أضعف الصوف، وقيل العهن الصوف ذو الألوان، فشبه الجبال به في تكونها ألوانا كما في قوله - جدد بيض وحمر - وغرابيب سود - فإذا بست وطيرت في الهواء أشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح (ولا يسأل حميم حميما) أي لا يسأل قريب قريبه عن شأنه في ذلك اليوم لما نزل بهم من شدة الأهوال التي أذهلت القريب عن قريبه، والخليل عن خليله، كما قال سبحانه - لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه - وقيل المعنى: لا يسأل حميم عن حميم، فحذف الحرف ووصل الفعل. قرأ الجمهور " لا يسأل " مبنيا للفاعل، قيل والمفعول الثاني محذوف والتقدير: لا يسأله نصره ولا شفاعته، وقرأ أبو جعفر وأبو حيوة وشيبة وابن كثير في رواية عنه على البناء للمفعول. وروى هذه القراءة البزي عن عاصم.
والمعنى: لا يسأل حميم إحضار حميمه، وقيل هذه القراءة على إسقاط حرف الجر: أي لا يسأل حميم عن حميم، بل كل إنسان يسأل عن نفسه وعن عمله، وجملة (يبصرونهم) مستأنفة، أو صفة لقوله (حميما) أي يبصر كل حميم