ابن زيد: عذبوا. وقال السدي: لعنوا. وقال الفراء: أغيظوا، والمراد بمن قبلهم: كفار الأمم الماضية المعادين لرسل الله، وعبر عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيها على تحقق وقوعه، وقيل المعنى: على المضي، وذلك ما وقع للمشركين يوم بدر، فإن الله كبتهم بالقتل والأسر والقهر، وجملة (ولقد أنزلنا آيات بينات) في محل نصب على الحال من الواو في كبتوا: أي والحال أنا قد أنزلنا آيات واضحات فيمن حاد الله ورسله من الأمم المتقدمة، وقيل المراد الفرائض التي أنزلها الله سبحانه، وقيل هي المعجزات (وللكافرين عذاب مهين) أي للكافرين بكل ما يجب الإيمان به، فتدخل الآيات المذكورة هنا دخولا أوليا، والعذاب المهين: الذي يهين صاحبه ويذله ويذهب بعزه (يوم يبعثهم الله جميعا) الظرف منتصب بإضمار أذكر، أو بمهين، أو بما تعلق به اللام من الاستقرار، أو بأحصاه المذكور بعده، وانتصاب جميعا على الحال: أي مجتمعين في حالة واحدة، أو يبعثهم كلهم لا يبقى منهم أحد غير مبعوث (فينبئهم بما عملوا) أي يخبرهم بما عملوه في الدنيا من الأعمال القبيحة توبيخا لهم وتبكيتا ولتكميل الحجة عليهم، وجملة (أحصاه الله ونسوه) مستأنفة جواب سؤال مقدر، كأنه قيل كيف ينبئهم بذلك على كثرته واختلاف أنواعه، فقيل أحصاه الله جميعا ولم يفته منه شئ، والحال أنهم قد نسوه ولم يحفظوه، بل وجدوه حاضرا مكتوبا في صحائفهم (والله على كل شئ شهيد) لا يخفى عليه شئ من الأشياء، بل هو مطلع وناظر.
ثم أكد سبحانه بيان كونه عالما بكل شئ، فقال (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض) أي ألم تعلم أن علمه محيط بما فيهما بحيث لا يخفى عليه شئ مما فيهما، وجملة (ما يكون من نجوى ثلاثة) الخ مستأنفة لتقرير شمول علمه وإحاطته بكل المعلومات. قرأ الجمهور " يكون " بالتحتية. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع والأعرج وأبو حيوة بالفوقية، وكان على القراءتين تامة، ومن مزيدة للتأكيد، ونجوى فاعل كان، والنجوى السرار، يقال: قوم نجوى: أي ذو نجوى وهي مصدر. والمعنى: ما يوجد من تناجي ثلاثة أو من ذوي نجوى، ويجوز أن تطلق النجوى على الأشخاص المتناجين، فعلى الوجه الأول انخفاض ثلاثة بإضافة نجوى إليه، وعلى الوجهين الآخرين يكون انخفاضها على البدل من نجوى أو الصفة لها. قال الفراء: ثلاثة نعت للنجوى فانخفضت وإن شئت أضفت نجوى إليها، ولو نصبت على إضمار فعل جاز، وهي قراءة ابن أبي عبلة، ويجوز رفع ثلاثة على البدل من موضع نجوى (إلا هو رابعهم) هذه الجملة في موضع نصب على الحال، وكذا قوله - إلا هو خامسهم - (إلا هو معهم): أي ما يوجد شئ من هذه الأشياء إلا في حال من هذه الأحوال، فالاستثناء مفرغ من أعم الأحوال، ومعنى رابعهم جاعلهم أربعة، وكذا سادسهم جاعلهم ستة من حيث إنه يشاركهم في الاطلاع على تلك النجوى (ولا خمسة) أي ولا نجوى خمسة، وتخصيص العددين بالذكر، لأن أغلب عادات المتناجين أن يكونوا ثلاثة أو خمسة، أو كانت الواقعة التي هي سبب النزول في متناجين كانوا ثلاثة في موضع وخمسة في موضع. قال الفراء:
العدد غير مقصود لأنه سبحانه مع كل عدد قل أو كثر يعلم السر والجهر لا تخفى عليه خافيه (ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم) أي ولا أقل من العدد المذكور: كالواحد والاثنين، ولا أكثر منه: كالستة والسبعة إلا هو معهم يعلم ما يتناجون به لا يخفى عليه منه شئ. قرأ الجمهور " ولا أكثر " بالجر بالفتحة عطفا على لفظ نجوى. وقرأ الحسن والأعمش وابن أبي إسحاق وأبو حيوة ويعقوب وأبو العالية ونصر وعيسى بن عمر وسلام بالرفع عطفا على محل نجوى. وقرأ الجمهور " ولا أكثر " بالمثلثة. وقرأ الزهري وعكرمة بالموحدة. قال الواحدي:
قال المفسرون: إن المنافقين واليهود كانوا يتناجون فيما بينهم ويوهمون المؤمنين أنهم يتناجون فيما يسوءهم، فيحزنون لذلك، فلما طال ذلك وكثر شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمرهم أن لا يتناجوا دون