لولا البيان من السنة في الوجه والتحديد بالغاية في اليدين والرجلين بخلاف الرأس، فإنه ورد في السنة مسح الكل ومسح البعض. قوله (وأرجلكم إلى الكعبين) قرأ نافع بنصب الأرجل، وهي قراءة الحسن البصري والأعمش وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة بالجر. وقراءة النصب تدل على أنه يجب غسل الرجلين، لأنها معطوفة على الوجه، وإلى هنا ذهب جمهور العلماء. وقراءة الجر تدل على أنه يجوز الاقتصار على مسح الرجلين لأنها معطوفة على الرأس وإليه ذهب ابن جرير الطبري وهو مروى عن ابن عباس. قال ابن العربي: اتفقت الأمة على وجوب غسلهما وما علمت من رد ذلك إلا الطبري من فقهاء المسلمين والرافضة من غيرهم، وتعلق الطبري بقراءة الجر، قال القرطبي: قد روى عن ابن عباس أنه قال: الوضوء غسلتان ومسحتان، قال: وكان عكرمة يمسح رجليه، وقال ليس في الرجلين غسل، إنما نزل فيهما المسح. وقال عامر الشعبي: نزل جبريل بالمسح. قال: وقال قتادة:
افترض الله مسحتين وغسلتين. قال: وذهب ابن جريب الطبري إلى أن فرضهما التخيير بين الغسل والمسح وجعل القراءتين كالروايتين، وقواه النحاس ولكنه قد ثبت في السنة المطهرة بالأحاديث الصحيحة من فعله صلى الله عليه وآله وسلم وقوله غسل الرجلين فقط، وثبت عنه أنه قال: " ويل للأعقاب من النار " وهو في الصحيحين وغيرهما فأفاد وجوب غسل الرجلين، وأنه لا يجزئ مسحهما، لأن شأن المسح أن يصيب ما أصاب ويخطئ ما أخطأ، فلو كان مجزئا لما قال " ويل للأعقاب من النار " وقد ثبت عنه أنه قال بعد أن توضأ وغسل رجليه: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به. وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره أن رجلا توضأ فترك على قدمه مثل موضع الظفر، فقال له: ارجع فأحسن وضوءك. وأما المسح على الخفين فهو ثابت بالأحاديث المتواترة. وقوله (إلى الكعبين) الكلام فيه كالكلام في قوله (إلى المرافق) وقد قيل في وجه جمع المرافق وتثنية الكعاب إنه لما كان في كل رجل كعبان ولم يكن في كل يد إلا مرفق واحد ثنيت الكعاب تنبيها على أن لكل رجل كعبين، بخلاف المرافق فإنها جمعت لأنه لما كان في كل يد مرفق واحد لم يتوهم وجود غيره، ذكر معنى هذا ابن عطية. وقال الكواشي: ثنى الكعبين وجمع المرافق لنفى توهم أن من كل وحدة امن الرجلين كعبين، وإنما في كل واحدة كعب واحد له طرفان من جانبي الرجل، بخلاف المرفق فهي أبعد عن الوهم انتهى.
وبقى من فرائض الوضوء النية والتسمية ولم يذكرا في هذه الآية، بل وردت بهما السنة، وقيل إن في هذه الآية ما يدل على النية، لأنه لما قال - إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم - كان تقدير الكلام: فاغسلوا وجوهكم لها، وذلك هو النية المعتبرة. قوله (وإن كنتم جنبا فاطهروا) أي فاغتسلوا بالماء. وقد ذهب عمر بن الخطاب وابن مسعود إلى أن الجنب لا يتيمم ألبتة بل يدع الصلاة حتى يجد الماء استدلالا بهذه الآية، وذهب الجمهور إلى وجوب التيمم للجنابة مع عدم الماء، وهذه الآية هي للواجد، على أن التطهر هو أعم من الحاصل بالماء أو بما هو عوض عنه مع عدمه، وهو التراب. وقد صح عن عمر وابن مسعود الرجوع إلى ما قاله الجمهور للأحاديث الصحيحة الواردة في تيمم الجنب مع عدم الماء. وقد تقدم تفسير الجنب في النساء. قوله (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط) قد تقدم تفسير هذا في سورة النساء مستوفى، وكذلك تقدم الكلام على ملامسة النساء وعلى التيمم وعلى الصعيد، ومن في قوله (منه) لابتداء الغاية، وقيل للتبعيض. قيل ووجه تكرير هذا هنا لاستيفاء الكلام في أنواع الطهارة (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) أي ما يريد بأمركم بالطهارة بالماء أو بالتراب التضييق عليكم في الدين، ومنه قوله تعالى - وما جعل عليكم في الدين من حرج - ثم قال (ولكن يريد ليطهركم) من الذنوب، وقيل من الحدث الأصغر والأكبر (وليتم نعمته عليكم) أي بالترخيص لكم في التيمم