نكذب) بالفاء والنصب، والفاء ينصب بها في جواب التمني كما ينصب بالواو كما قال الزجاج، وقال أكثر البصريين: لا يجوز الجواب إلا بالفاء. قوله (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل) هذا إضراب عما يدل عليه التمني من الوعد بالإيمان والتصديق: أي لم يكن ذلك التمني منهم عن صدق نية وخلوص اعتقاد بل هو لسبب آخر، وهو أنه بدا لهم ما كانوا يخفون: أي يجحدون من الشرك وعرفوا أنهم هالكون بشركهم فعدلوا إلى التمني والمواعيد الكاذبة، وقيل بدا لهم ما كانوا يخفون من النفاق والكفر بشهادة جوارحهم عليهم، وقيل بدا لهم ما كانوا يكتمون من أعمالهم القبيحة كما قال تعالى - وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون - وقال المبرد: بدا لهم جزاء كفرهم الذي كانوا يخفونه وهو مثل القول الأول، وقيل المعنى أنه ظهر للذين اتبعوا الغواة ما كان الغواة يخفون عنهم من أمر البعث والقيامة (ولو ردوا) إلى الدنيا حسبما تمنوا (لعادوا) لفعل ما نهوا عنه من القبائح التي رأسها الشرك كما عاين إبليس ما عاين من آيات الله ثم عاند (وإنهم لكاذبون) أي متصفون بهذه الصفة لا ينفكون عنها بحال من الأحوال ولو شاهدوا ما شاهدوا، وقيل المعنى: وإنهم لكاذبون فيما أخبروا به عن أنفسهم من الصدق والإيمان. وقرأ يحيى بن وثاب (ولو ردوا) بكسر الراء لأن الأصل رددوا فنقلت كسرة الدال إلى الراء، وجملة (وإنهم لكاذبون) معترضة بين المعطوف وهو وقالوا. وبين المعطوف عليه وهو لعادوا: أي لعادوا إلى ما نهوا عنه (وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا) أي ما هي إلا حياتنا الدنيا (وما نحن بمبعوثين) بعد الموت، وهذا من شدة تمردهم وعنادهم حيث يقولون هذه المقالة على تقدير أنهم رجعوا إلى الدنيا بعد مشاهدتهم للبعث. قوله (ولو ترى إذ وقفوا على ربهم) قد تقدم تفسيره في قوله ولو ترى إذ وقفوا على النار) أي حبسوا على ما يكون من أمر ربهم فيهم، وقيل على بمعنى عند. وجواب لو محذوف: أي لشاهدت أمرا عظيما، والاستفهام في (أليس هذا بالحق) للتقريع والتوبيخ: أي أليس هذا البعث الذي ينكرونه كائنا موجودا، وهذا الجزاء الذي يجحدونه حاضرا. (قالوا بلى وربنا) اعترفوا بما أنكروا وأكدوا اعترافهم بالقسم (قال قذفوا العذاب) الذي تشاهدونه وهو عذاب النار (بما كنتم تكفرون) أي بسبب كفركم به أو بكل شئ مما أمرتم بالإيمان به في دار الدنيا.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (ثم لم تكن فتنتهم) قال: معذرتهم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه (ثم لم تكن فتنتهم) قال: حجتهم (إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) يعني المنافقين والمشركين قالوا وهم في النار: هلم فلنكذب فلعله أن ينفعنا، فقال الله (انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم) في القيامة (ما كانوا يفترون) يكذبون في الدنيا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله (والله ربنا ما كنا مشركين) ثم قال - ولا يكتمون الله حديثا - قال بجوارحهم. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة (انظر كيف كذبوا على أنفسهم) قال: باعتذارهم الباطل (وضل عنهم ما كانوا يفترون) قال:
ما كانوا يشركون. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله (ومنهم من يستمع إليك) قال: قريش، وفى قوله (وجعلنا على قلوبهم أكنة) قال: كالجعبة للنبل. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفى آذانهم وقرا) قال: يسمعونه بآذانهم ولا يعون منه شيئا، كمثل البهيمة التي لا تسمع النداء ولا تدرى ما يقال لها.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال: الغطاء أكن قلوبهم أن يفقهوه، والوقر الصمم، و (أساطير الأولين) أساجيع الأولين. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: أساطير الأولين: أحاديث الأولين.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال: أساطير الأولين: كذب الأولين وباطلهم.