قوله [تعالى]: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء) في سبب نزولها أربعة أقوال:
أحدها: أن عبادة بن الصامت كان له حلفاء من اليهود، فقال يوم الأحزاب: يا رسول الله إن معي خمسمائة من اليهود، وقد رأيت أن أستظهر بهم على العدو، فنزلت هذه الآية، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثاني: أنها نزلت في عبد الله بن أبي، وأصحابه من المنافقين كانوا يتولون اليهود، ويأتونهم بالأخبار يرجون لهم الظفر من النبي [صلى الله عليه وسلم]: فنهى الله المؤمنين عن مثل فعلهم، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: أن قوما من اليهود، كانوا يباطنون نفرا من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم، فنهاهم قوم من المسلمين عن ذلك، وقالوا: اجتنبوا هؤلاء اليهود، فأبوا، فنزلت هذا الآية. روي عن ابن عباس أيضا.
والرابع: أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وغيره، كانوا يظهرون المودة لكفار مكة، فنهاهم الله [عز وجل] عن ذلك، هذا قول المقاتلين، ابن سليمان، وابن حيان. فأما التفسير، فقال الزجاج: معنى قوله [تعالى]: (من دون المؤمنين) أي: لا يجعل المؤمن ولايته لمن هو غير مؤمن، أي: لا يتناول الولاية من مكان دون مكان المؤمنين، وهذا كلام جرى على المثل في المكان، كما تقول: زيد دونك، ولست تريد المكان، ولكنك جعلت الشرف بمنزلة الارتفاع في المكان، والخسة كالاستفال في المكان. ومعنى (فليس من الله في شئ) أي: فالله برئ منه.
قوله [تعالى]: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) قرأ يعقوب، والمفضل عن عاصم " تقية " بفتح التاء من غير ألف، قال مجاهد: إلا مصانعة في الدنيا. قال أبو العالية: التقاة باللسان، لا بالعمل.
فصل والتقية رخصة، وليست بعزيمة. قال الإمام أحمد: وقد قيل: إن عرضت على السيف تجيب؟ قال: لا. وقال: إذا أجاب العالم تقية، والجاهل بجهل، فمتى يتبين الحق؟ وسنشرح هذا المعنى في " النحل " عند قوله [تعالى] (إلا من أكره)، إن شاء الله.