قوله تعالى: (وإن كنتم على سفر) إنما خص السفر، لأن الأغلب عدم الكاتب، والشاهد فيه، ومقصود الكلام: إذ عدمتم التوثق بالكتاب، والاشهاد، فخذوا الرهن.
قوله [تعالى]: (فرهان) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعبد الوارث (فرهن) بضم الراء والهاء من غير ألف، وأسكن الهاء عبد الوارث وجماعة. وقرأ نافع، وعاصم وابن عامر، وحمزة، والكسائي (فرهان) بكسر الراء، وفتح الهاء، وإثبات الألف. قال ابن قتيبة: من قرأ (فرهان) أراد: جمع رهن، ومن قرأ (فرهن) أراد: جمع رهان، فكأنه جمع الجمع.
وقوله [تعالى]: (مقبوضة) يدل على أن من شرط لزوم الرهن القبض، وقبض الرهن أخذه من راهنه منقولا، فإن كان مما لا ينقل، كالدور والأرضين، فقبضه تخلية راهنه بينه وبين مرتهنه قوله [تعالى]: (فإن أمن بعضكم بعضا) أي: فإن وثق رب الدين بأمانة الغريم، فدفع ماله بغير كتاب ولا شهود ولا رهن، (فليؤد الذي اؤتمن) وهو المدين (أمانته وليتق الله ربه) أن يخون من ائتمنه.
وقوله [تعالى]: (فإنه آثم قلبه) قال السدي عن أشياخه: فإنه فاجر قلبه. قال القاضي أبو يعلى: إنما أضاف الإثم إلى القلب، لأن المآثم تتعلق بعقد القلب، وكتمان الشهادة إنما هو عقد النية لترك أدائها.
لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيفغر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير (284) قوله [تعالى]: (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) أما إبداء ما في النفس، فإنه العمل بما أضمره العبد، أو النطق، وهذا مما يحاسب عليه العبد، ويؤاخذ به، وأما ما يخفيه في نفسه، فاختلف العلماء في المراد بالمخفي في هذه الآية على قولين:
أحدهما: أنه عام في جميع المخفيات، وهو قول الأكثرين. واختلفوا: هل هذا الحكم ثابت في المؤاخذة أم منسوخ؟ على قولين:
أحدهما: أنه منسوخ بقوله [تعالى]: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) هذا قول ابن مسعود، وأبي هريرة، وابن عباس في رواية، والحسن، والشعبي، وابن سيرين، وسعيد بن جبير، وقتادة، وعطاء الخراساني، والسدي، وابن زيد، ومقاتل.
والثاني: أنه ثابت في المؤاخذة على العموم، فيؤاخذ به من يشاء، ويغفره لمن يشاء، وهذا