السور (1)، وفيه أيضا الإشارة إلى وجه اختلافها قصرا وطولا:
فمنها: حديث سهولة الأخذ والضبط، ولأن الخروج عن ديدن التآليف والتصنيفات أيضا غير جائز، ومع ذلك لوحظ فيه جانب التقطيع بالسور القصيرة والطويلة، فإن فيه إفادة غاية القدرة ونهاية السطوة على الأمرين حتى لا يظن أحد ظن السوء.
ومنها: أن في هذه السجية والدأب تنشيطا للقارئ والمستمع وتلذيذا، ففيه نهاية البلاغ وغاية الإبلاغ بالوجه الأكمل الأتم، فرب قارئ يسأم من السورة الطويلة دون العكس، ورب إنسان يجد روحا جديدا بالفراغ عن سورة والدخول في الأخرى، بل تقسيم القرآن إلى الأحزاب والأجزاء أيضا يشتمل على اللطف والدقة وعلى اتخاذ أحسن طرق الهداية والتأثير في القلوب المهيأة والنفوس المستعدة.
وبالجملة: مثل القارئ المسافر في الكتاب سيرا معنويا، مثل المسافر إذا علم أنه قطع ميلا أو طوى فرسخا أو انتهى إلى رأس بريد، تنفس تنفس الصعداء، وكأنه يستريح راحة طيبة وكأنه صعد قمة ونزل واديا.
ومنها: أن في ابتداء النزول كانت السور قصيرة، وما تمكنت البلغاء والفصحاء وأهل المعارضة من الإتيان بمثله، وإذا تبين ذلك فأتى القرآن بسور متوسطة المسماة بالمئين، وكانت هذه السور على كثرتها بأجمعها مكية إلا بعضا منها، وفي هذه الطريقة تعجيز المعارضين بوجه أبلغ،