ذلك قيل: * (ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات) *، وكان هذا ثمرة المبايعة السابقة والتجارة المعهودة.
فإنهم بعدما اشتروا الضلالة بالهدى رضوا بأن يتربوا بالاسم " المضل "، وبالدخول في الظلمات، وبتخلية الله تعالى سربهم ومسيرهم، وبتركه تعالى إياهم بعدما كانوا متربين بالاسم " الهادي "، بل بالاسم الجامع لقوله تعالى: * (ذهب الله بنورهم) * فإذا ضلوا اختصوا بالاسم الخاص بهم، وكل ذلك من تبعات أفعالهم الاختيارية واشترائهم بالاختيار والعقد، من غير إكراه وإجبار، فلا تكون معاملتهم باطلة من هذه الجهة، وإن كانت عاطلة وغير رابحة من جهات شتى.
الوجه الخامس حول أن الظلمة وجودي أو عدمي في ترتب نفي الإبصار على ذهاب النور والوقوع في الظلمات، شهادة على اشتراط الإبصار بالاستنارة، وربما يمكن دعوى دلالة الآية على أن الظلمة تمنع منه، فهي دليل على أن الظلمة أمر وجودي، فيكون التقابل بينها وبين النور تقابل التضاد، خلافا لما قيل واشتهر: أنه من تقابل العدم والملكة (1)، وقيل: هو من تقابل السلب والإيجاب (2).