تحيرهم كان في شدة، لا يقصدون مكانا خاصا، وكانوا طالبي المجهول المطلق، وأنه * (إذا أضاء لهم مشوا) * حفاظا على حياتهم الفردية والاجتماعية، * (وإذا أظلم عليهم) * الطريق سكنوا ووقفوا أيضا للحفظ والصيانة.
الوجه التاسع حول فساد رأي المنافقين من وجوه البلاغة: أن المنافقين - حسب هذه الآية وما سبق - يتوهمون أنهم يتمكنون من إبقاء حياتهم الفردية والاجتماعية، ويقدرون على صيانة أنفسهم بين الناس سالمين غانمين، غافلين عن هذه المائدة الملكوتية والومضة الإلهية، وأن الله تعالى محيط بالكافرين وأن الله تعالى لو شاء لذهب بأسماعهم وأبصارهم وأنه تعالى على كل شئ قدير، وأن إرادتهم ليست علة تامة لحفظهم، وحرصهم على حياتهم غير كاف لوصولهم إلى مرامهم، فمن هذه الجملتين - الواقعتين آخر آيات المنافقين - يظهر سوء رأيهم وفساد عقيدتهم وبطلان مشيهم، فإن كل ممكن لابد وأن يرى نفسه متدلية بذاته الوجودية الأبدية الأزلية، ولو تشبث بسبب من الأسباب الظاهرية يتوكل على الله تعالى في ذلك.
فهؤلاء المنافقون - حسب هذه الأمثلة - فاسدوا العقيدة وفاسدوا الأخلاق لما في الآيات، وفاسدوا النعوت والصفات، لقوله تعالى: * (صم بكم عمي) * وفاسدوا العمل وفاسدوا الحركة، لما لا يكون حركتهم لغاية