الماديات والمعنويات، ومن الجسمانيات والروحانيات، ومن التكوينيات والاعتباريات، فيصير صحيح الخلقة لا سقيمها، وعالما بالقضايا لا جاهلها، وعارفا بالحقائق لا ذاهلا عنها، ويصير متمكنا في الخلق على البرية، ورئيسا على الرعية في سياسة المدن إلى سياسة المنازل والبدن، وغير ذلك من الكمالات، فلا ينبغي أن يعبد في قبال هذا غيره، وأن يرغب بحذاء هذا الوجود لوجود آخر، فالرب الذي خلقكم، وخلق الذين من قبلكم، فيكون محيطا بالمخلوقين، فإن من تصدى لخلقكم، وتصدى لخلق الذين من قبلكم، تصدى لخلق كل شئ غيركم، من الأمور الخالية الفانية أو الباقية ومن الأمور الآتية، ومع ذلك كله لم يكتف في ترقيق شعور البشر - إلى جانب العبادة الصالحة - بذكر الرب الذي خلقهم وخلق من قبلهم، بل أتى بما فيه مصلحتهم العائدة إليهم والكمال المرجوع لديهم، وهو التقوى الذي هو غاية آمال الكملين، ونهاية طموح العارفين، فعقب قوله: * (اعبدوا ربكم) * بقوله: * (لعلكم تتقون) * حتى يتوجه عامة الناس ومجتمع البشر إلى الآثار الخاصة الدنيوية، فضلا عن الخيرات الأخروية التي تترتب على تلك العبادة.
الوجه السادس حول الإتيان ب " الذين من قبلكم " ربما يتوجه السؤال عن وجه الإتيان بقوله تعالى: * (والذين من قبلكم) *، فإنه لا فائدة فيه بعد التنبيه على أن ربكم هو الذي خلقكم،