بعدما لم يصدر منه أمثاله في الأزمنة الخالية والمجامع الماضية، فبها يثبت أن ما سلف ونفسها كلها من عند العزيز المتعال.
الوجه الثالث عشر حول لسان الآية في الإرشاد قد أقمنا القرائن الكثيرة في طي البحوث الماضية على أن هاتين الآيتين بصدد توجيه الناس إلى الإسلام في قالب أدبي ولسان لين ومحاجة طيبة، من غير أن يواجههم بصلابة وشدة واستهزاء وتعجيز تهكمي، ولذلك أتى بالفاء، فقال: * (فاتقوا النار) * مع أن الاتقاء من النار لازم عليهم، لأن المفروض هم المعاندون العاجزون عن الإتيان بمثله، والآية بصدد إثبات تعجيزهم وإبراز ضعفهم بناء على ما قاله المفسرون، وأما على ما ذكرنا فالآية وردت في محلها، فإنهم حيث لا تخلو حالهم: إما عن التمايل إلى الحق واقعا، فتكون القضية الشرطية واقعية، لعدم وجوب الاتقاء إلا بعد تمامية الحجة، وإما عن المعاندة والكفر الباطني المشفوع باللجاج والضدية، فتكون القضية الشرطية مشتملة على الأدب في المحاورة، وافترضت أنهم غير واقفين على الحق فلابد من الفاء أيضا.
ومن وجوه البلاغة واللطافة في المقام: أن في ضمن تثبيت الكتاب الإلهي وتحقيق الوحي السماوي، تحقيقا للنبوة الخاصة، وفي ضمن هذا الأمر تثبيت للمعاد ووجود النار الخاص، غير النيران المادية الدنيوية، وهي النار التي وقودها الناس والحجارة.