ثم إنه بعد مفروضية عجزهم لم يواجههم أيضا إلا بالقضية الشرطية الأخرى * (فإن لم تفعلوا) * حتى تكون الهداية أرفق والإرشاد أليق، ولأجل المحافظة على هذه النكت قال: * (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين) *، ولم يقل: فاتقوا النار التي وقودها أنتم وآباؤكم واعدت لكم أن كنتم كافرين، فإن في هذه المخاطبة تبعيدا للمسافة وتشميتا للنفوس التي لا تتحمل هذه الأمور، فتقع فيما لا يعنيه القرآن ولا منزله تعالى وتقدس.
وأما قوله تعالى: * (ولن تفعلوا) * فقد جئ به بنحو الجمل الاعتراضية، وفيه من اللطافة ما لا يخفى، ضرورة أن الإنسان بعدما يجد ضعفه وعجزه عن أمر، يحصل في نفسه الإقرار الابتدائي بذلك العجز، ثم بعد ذلك يشرع القوى الشيطانية في إيجاد الوسوسة وخلق الوهم، وأنه يقتدر عليه بعد ذلك، وأن هذا ليس أمرا عظيما، بل هو كذا وكذا، وعندئذ وحين ذاك لابد للخطيب البليغ توجيه الأمة إلى الحق، بتذكيرهم بعجزهم الدائم، ولزوم رفضهم هذه التخيلات والأوهام، مع رعاية الاختصار، حتى لا يقع في نفوسهم إلا اللطف والمحبة والرأفة والشفقة، ليكونوا من الخاضعين والراكعين له تعالى.
الوجه الخامس حول عدم دلالة الآية على التعجيز قد اشتهر بين النحاة والأصوليين: أن هيئة الأمر قد تأتي للتعجيز، وتبين لنا فسادها، وأن هيئة الأمر ليست إلا لمعنى واحد، وتختلف الدواعي،