الوجه الخامس حول إثبات العمى ربما يتخيل: أن قوله تعالى: * (عمي) * بعد قوله تعالى: * (وتركهم في ظلمات لا يبصرون) * خلاف أسلوب البلاغة، فإن نفي الإبصار عنهم عين إثبات العمى، والكل على مبنى الادعاء، وليس عدم إبصارهم حقيقة وعماؤهم مجازا ولا العكس، فكان الأولى أن يقال: صم بكم فهم لا يرجعون، حذرا عن التكرار، وإرشادا إلى أنها من تتمة نعتهم السابق، وهو العمى وعدم الإبصار.
وبعبارة أخرى: البلاغة في المقام تحكم بالإيجاز ولذلك حذف حرف العطف والمبتدأ، ودعوى: أن قوله تعالى: * (تركهم في ظلمات لا يبصرون) * من تتمة المثال، وقوله تعالى: * (صم بكم عمي) * بيان لحال الممثل له والمنافقين، فلا يلزم خلاف الإيجاز ولا التكرار، غير صحيحة عند الأكثر، وقد تبين: أنه تبيان وجامع لكل من حالات المثال والمنافقين، فيكون ذكر العمى من ذكر الخاص بعد العام على وجه لا يستحسن إنصافا.
والذي يظهر لي: أن قوله تعالى: * (تركهم في ظلمات لا يبصرون) * لا يثبت إلا العمى بالعرض، أي أنهم لا يبصرون لأجل المانع، وهو الظلمة، أو لأجل عدم المقتضي، وهو عدم وجود النور والاستنارة، التي من شرائط الإبصار والبصيرة.