وإن شئت قلت: إن القرآن ليس كتاب مذكرات ولا من المختلقات الشائعة في عصرنا المهيأة للتمثيلية والمسرحية المسمى في لغة الأجانب ب " رمان "، فإن القرآن أعظم شأنا وأجل مقاما وأرفع درجة عند كافة الأنام وعامة الأعلام، لأنه من الرب القادر العلام، فعليه كيف يقول اتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة، فإن تلك النار مجرد خيال وتفكر شعري واستعمال جديد وتركيب غير مسبوق وغير مبين، فالتهديد والإخافة من هذه النار، لا يؤثر حق التأثير في أفق شبه جزيرة العرب ولا في سائر الآفاق، لأنهم يظنون أنها نار لا واقعية لها، لما لا عهد لهم بها، ولا سبق خارجي - بل ولا ذهني - لهم بأمثالها وأشباهها، فهذا خلاف البلاغة جدا بل والفصاحة.
وقد أتى بها مرة سابقة على هذه المرة في سورة التحريم: * (قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) * (1)، وتوهم جمع من المفسرين: أن الإتيان بها هنا معرفة لسبقها نكرة، مما لا يخفى شناعته وانحطاطه، لأن السؤال يتوجه إلى وجه التنكير في الآية الأولى، وقد عرفت منا: أن القرآن ناظر بأحسن النظرة العالمية، ويلاحظ بأتم الملاحظة العلمية جانبا واحدا، وهو حسن التركيب وقبول الطباع ولطف الترنم والوقوع في الأسماع والقلوب حتى يخضعوا له في أسرع الأوقات الممكنة، فيأتي بمعرفة أو نكرة ملاحظا فيه ذلك، وهكذا في التقديم والتأخير والجمع والإفراد، وربما يلعب بالقواعد العامة رعاية لهذه