وبعبارة أخرى: اعتبرهم الإسلام بين الخطوط خط الإسلام والانحفاظ من النار الكذائية، وخط ضد الإسلام والوقوع فيها، وخط ضد الإسلام والنجاح والاستسلام من النار، وذلك لأنهم إما يعجزون فيقرون بالإسلام، فهم في خلاص من الأمر والنار، وإما يعجزون ولا يعترفون بالحقيقة، فيستحقون النار التي وقودها الناس والحجارة، وقلوبهم القاسية التي أشد قسوة منها، وإما يأتون بمثله فلازم ذلك كذب دعوى الإسلام، وهي النار الكذائية وكذبه (صلى الله عليه وآله وسلم) نعوذن بالله العليم، وحيث لا سبيل إلى الثالث يدور أمرهم بين الأمرين الأولين، فعند ذلك دعاهم إلى الاتقاء من المسبب والنيران، بالاعتراف بالسبب، وهو الإسلام والأحكام.
ففي هذه الدعوى وكيفية بيان المقصود أيضا نوع تقرير جديد وتحرير بديع، فإن الظاهر هو أن يقال: فالتحقوا بالإسلام وإن لم تفعلوا ولن تفعلوا، فاعترفوا بالله وبالكتب والنبوة، ولكنه لمكان أن عدم الاعتراف بعد هذه الصورة، وبعد فرض عدم الإتيان بها، يستند إلى الأمور غير الإنسانية، ويرجع إلى المعاندات القومية والأوصاف الرذيلة الجاهلية، لابد من تهديدهم وتحذيرهم عما هو المحجوب عنهم وينتظرهم واعد لهم وهيئ لأمثالهم، فإن في هذا المنهج من البلاغة ما لا يدركه أيضا إلا الوحيد السليم قلبه والفريد الدقيق إدراكه، ولولا هذه المحاسن الكلامية والآداب الخاصة الملحوظة حال المحاجة وعند المواجهات الابتدائية، لما كان يعترف بالإسلام إلا القليل. وحيث إن أبطالهم اعترفوا وفرسانهم أذعنوا لها خضع الآخرون الأسفلون، وانسلك في سلك الإسلام المؤمنون على وجه استراحوا من هم الدنيا وشؤونها، وفارقوا مظاهر